في شهر يوليو من صيف العام الماضي (2023م) ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالحديث عن الانطلاق الصاروخي لتطبيق ثريدز Threads من شركة ميتا Meta، (وللعلم شركة ميتا هي الاسم الحديث لشركة فيسبوك). حينها، وصف البعض تطبيق ثريدز بأنه (القاتل لتطبيق تويتر)، وهو بمثابة اعلان لنهاية سيطرة تطبيق اكس X (تويتر سابقاً) على ساحة مواقع التواصل الاجتماعي التي تعنى بالتدوينات القصيرة (Microblogging)، خصوصاً في مجال النقاشات السياسية ونقاشات الرأي العام والاخبار، حيث يبسط تطبيق اكس هيمنته المطلقة في هذه المجالات منذ حوالي 17 سنة.

ماجعل البعض يعتقد أن تطبيق ثريدز سيسحب البساط من تحت أقدام تطبيق اكس هي الاعداد المليونية من المشتركين لهذا التطبيق حديث الولادة آنذاك، والتي وصلت لأكثر من 100 مليون خلال اسابيع قليلة من انطلاقه، وهو ما يعتبر انطلاق فاجئ العديد من المحللين والمتابعين، كون التطبيق وخلال اسابيع قليلة جداً استطاع لفت انتباه العالم وجذب عشرات الملايين من المستخدمين من كافة البلدان. لذا بدأت الناس حينها بالمسارعة في حجز حسابات لهم على تطبيق ثريدز خشية أن يزداد التزاحم على التطبيق وتنفذ جميع الخيارات لأسماء الحسابات المناسبة.

ولكن وبعد مضي عدة اشهر، بدأت اعداد المسجلين بالتراجع بل والتوقف احياناً، أضطر المسؤولين عن التطبيق لعمل تحديثات عديدة على التطبيق واطلاق بعض الحملات الترويجية له كمحاولة لجذب الناس للتسجيل في التطبيق والتفاعل على المنصة الحديثة مرةً أخرى، ولكن لم يكتب النجاح لمعظم تلك المحاولات الحثيثة من شركة ميتا وهي الشركة المالكة للتطبيق، بعض المتابعين وصف تلك المحاولات من شركة ميتا لإنقاذ تطبيق ثريدز من الموت بـ ”محاولات الانعاش الاخيرة للتطبيق“.

ولكن السؤال المهم الذي يطرحه العديد من الناس اليوم هو، ماذا حدث لتطبيق ثريدز؟ وأين هو اليوم؟ وهل مات التطبيق فعلاً؟ ام مازال على قيد الحياة؟ وماهي الاسباب التي أدت إلى دخول التطبيق في مرحلة خمول، يعتقد البعض بأنها مرحلة قد تطول، ومن الممكن بأن تؤدي لموت التطبيق سريرياً خلال المستقبل القريب، هذا ان لم يمت بالفعل على حد وصف بعض المتابعين لحالة تطبيق ثريدز.

سأحاول في هذا المقال التطرق لأهم الاسباب التي يتداولها المختصين والمحللين التقنيين، والتي من وجهة نظرهم أدت إلى غياب اسم تطبيق ثريدز في الآونة الأخيرة عن ساحة منصات التواصل الاجتماعي، وهي كالتالي:

  1. إطلاق متعثر وفرص ضائعة
    بعض المتابعين لوضع تطبيق ثريدز منذ بداية انطلاقه، يشيرون إلى ان فكرة اطلاق التطبيق كانت فكرة تغلب عليها العجلة وقد تكون خاطئة من الاساس، وذلك لأن فكرة انشاء التطبيق كانت نابعة من ردة فعل العديد من الاشخاص على المتغيرات التي حدثت في منص اكس (تويتر سابقاً) بعد شراء الملياردير الجنوب افريقي الجنسية (وكذلك الامريكي والكندي الجنسية) إيلون موسك لمنصة اكس من الملاك السابقين وعلى رأسهم جاك دورسي (Jack Dorsey). ومن المعلوم بأن التوجهات السياسية لأيلون موسك وجاك دورسي وشركاءه كانت مختلفة ومتباينه في العديد من النقاط، وعلى رأسها حرية التعبير واغلاق بعض الحسابات او تعليقها نتيجة عدم مناسبة محتوى تلك الحسابات لتوجهات ملاك التطبيق.
    حال شراء السيد موسك لتطبيق اكس قام بتغيير بعض السياسات الخاصة بإغلاق الحسابات وسن بعض القوانين الجديدة وفرض بعض الرسوم خصوصاً فيما يخص توثيق الحسابات. تلك التغييرات وبالتحديد المتعلقة بسياسة اغلاق وتعليق بعض الحسابات والرسوم الجديدة، ادت لسخط العديد من المعارضين على ايلون موسك، مما شجع مجموعة منهم لتبني فكرة انشاء تطبيق موازي لتطبيق اكس يهربون إليه من الانظمة والرسوم الجديدة التي فرضها المالك الجديد للتطبيق. وجدت شركة ميتا (شركة فيسبوك) تلك الاجواء المشحونة والمقرونة بالسخط على السيد موسك فرصة سانحة جداً لبناء وعلى عجالة تطبيق مشابه تماماً لتطبيق اكس يوفر ملجأ للناس الذين لم يؤمنوا بالسيد موسك ولا توجهاته وأراءه الغريبة احياناً كما يصفونها.
    هذا العجلة برأي بعض المحللين أدت لإطلاق تطبيق ثريدز ليس فقط بشكل غير مكتمل، وانما كذلك بواجهة تشبه لحد كبير واجهة تطبيق اكس (تويتر سابقاً)، وهذا جعل بعض النقاد للتطبيق الجديد يصفونه بأنه استنساخ لفكرة تطبيق اكس تماماً.
    وعلى الرغم من تسجيل عشرات ملايين الاشخاص في تطبيق ثريدز حينها، إلا انهم كانوا يشتكون من غياب بعض المميزات الاساسية التي كانت متوفرة في تطبيق اكس ولكنها غير متوفرة في تطبيق ثريدز ومن اهمها خاصية البحث، حيث كان تطبيق ثريدز يوفر فقط خاصية البحث عن اسماء الحسابات في التطبيق، بينما يوفر تطبيق اكس خاصية البحث بشكل اوسع عن الكلمات والعبارات الدارجة والمستخدمة على المنصة، بالإضافة للبحث عن الحسابات، وهذا فرق مهم وجوهري. أيضاً، لم يوفر تطبيق ثريدز حين انطلاقه امكانية الوصول له عن طريق المتصفح بل كان الخيار الوحيد امام المستخدمين هو تحميل التطبيق من خلال المتاجر المتوفرة على الاجهزة الذكية.
    ايضاً، انطلاق تطبيق ثريدز من غير توفير خاصية الاعلانات والتي تعتبر من اهم النقاط خصوصاً للشركات والمؤسسات التجارية التي تسعى لتسويق منتجاتها وخدماتها على منصات التواصل الاجتماعي. وهناك ايضاً العديد من الفروق الاخرى، ولكن نكتفي بهذه الفروق الجوهرية لتوضيح كيف ان بداية انطلاق تطبيق ثريدز كانت غير متكلمة، ولكن الهدف من اطلاق التطبيق حينها، هو توفير منصة بديلة لمحبي التدوينات القصيرة (microblogging) غير منصة اكس خصوصاً تلك الشريحة التي لم تتحمل فكر وقناعات السيد إليون موسك. ولكن تلك العجلة في اطلاق تطبيق ثريدز أدت لظهور التطبيق ناقصاً وبعيوب لم يستطع البعض السكوت عنها، وهذا أدى مع الوقت تدريجياً لفقدان الناس شغف التحول لتطبيق ثريدز والعودة لتطبيق اكس والذي كان ومازال يعد الاكثر استقراراً وتفاعلاً.
  2. صغر عمر الشريحة المستخدمة لتطبيق ثريدز:
    عندما انطلق تطبيق ثريدز، لم يكن من الممكن انشاء حساب فيه إلا من خلال وجود حساب لك في تطبيق انستقرام، حيث يعتبر وجود الحساب في تطبيق انستقرام شرط اساسي لإنشاء حساب في تطبيق ثريدز. في الحقيقة وفي بداية الامر، كانت هذه الفكرة ذكية من شركة ميتا، ولكنها ومع الوقت، اصبح ضررها أكبر من منفعتها. ولكن كيف ذلك؟! عندما عمدت شركة ميتا لربط انشاء الحساب على تطبيق ثريدز بوجود حساب للمستخدم على انستقرام، كانت تهدف لكسب شريحة المستخدمين لتطبيق انستقرام والذين يفوق عددهم الملياري مستخدم، وتحويلهم لتطبيق ثريدز مباشرةً، بدون الحاجة لبدء بناء شريحة مستخدمين من الصفر لهذا التطبيق الناشئ. والاهم من ذلك، كانت هذه الحركة تمكن مستخدمي تطبيق انستقرام من نسخ كافة المتابعين لهم من تطبيق انستقرام للتطبيق الجديد (ثريدز) وبذلك يضمن المستخدمين عدم بناء شريحة متابعين من الصفر، وتحويل كل المتابعين لهم على منصة انستقرام لتطبيق ثريدز بكل يسر وسهولة.
    وفي حقيقة الامر وللوهلة الاولى، كانت تعتبر هذه الفكرة على انها فكرة نوعية وستوفر على الشركة الكثير وستضمن انتقال اعداد ضخمة من المستخدمين مع متابعيهم من انستقرام لثريدز، وهذا ماتم بالفعل. ولكن ومع مرور الوقت، اتضح ان هذه السياسة أتت بنتيجة عكسية تماماً، وتسببت في ابتعاد العديد من الاشخاص عن تطبيق ثريدز، ولكن لماذا؟! في الواقع، شريحة المستخدمين لمنصة اكس تختلف تماماً عن الشريحة المستخدمة لتطبيق انستقرام، فالاشخاص المستخدمين لتطبيق اكس هم من فئة عمرية اكبر نوعاً ما بالعمر من الشريحة التي تستخدم تطبيق انستقرام، وهذا مايجعل اهتمامات الشريحتين مختلفة تماماً. فالناس على تطبيق اكس يغلب عليهم حب متابعة الاخبار والنقاشات السياسية والحوارات والاحداث العاجلة والتي تهم الرأي العام، بينما مستخدمي تطبيق انستقرام، يغلب عليهم الاهتمام بالتصوير والفنون والهوايات والسفر والسياحة وانتاج الفيديوهات القصيرة وغيرها من الاهتمامات الاخرى التي تستهدف الفئات العمرية الاقل من 30 عاماً. هذا الفرق جوهري وهام جداً وأدى مع مرور الوقت لتعزبز قناعة الشريحة الموجودة على منصة اكس بعدم محاولة الانتقال لتطبيق ثريدز ولذلك لكون الشريحة الموجودة على التطبيق الجديد لا تشاركهم نفس الاهتمامات او الشغف، حتى ان بعض الشركات الكبرى وبعد مضي بضعة اشهر قامت بإغلاق حساباتها او ايقاف نشر محتوى جديد في تطبيق ثريدز بسبب قلة التفاعل.
  3. الفشل في إيجاد مكان مناسب لتطبيق ثريدز:
    علاوة على السببين السابقين، واجه تطبيق ثريدز صعوبة في تحديد هوية فريدة له. فشريحة مستخدميه اغلبها تم جلبها من تطبيق انستقرام، وهذه الشريحة تهتم للصور والفيدوهات القصيرة أكثر من التدوين والنصوص، ومع ذلك يوفر ثريدز لهم امكانية التدوينات القصيرة (Microblogging)، ولكن هذا أدى لتشتت المستخدمين الجدد لتطبيق ثريدز والذين يعتبرون جميعهم مستخدمين لتطبيق انستقرام، والذي في الاساس هو عبارة عن تطبيق يركز على النشر المرئي (Visual) اكثر من النشر النصي كما هو الحال على منصة اكس. هذا ما جعل بعض المختصين يشير لعنصر غياب الهدف من تطبيق ثريدز، وهذا يطرح تساؤل عن ماهو المكان المناسب للتطبيق الحديث؟! فهل هو تطبيق للتدوينات القصيرة ام تطبيق مكمل لتطبيق انستقرام، وبالتالي سيكون الاهتمام منصب بشكل اكبر على الصور والفيديوهات بالاضافة لخاصية التدوينات القصيرة؟! هذه النقطة تحديداً، أدت لقناعة البعض بأن تطبيق ثريدز لا يمكنه منافسة تطبيق اكس في عالم التدوينات القصيرة (Microblogging)، وذلك كون تطبيق اكس قائم وبشكل اساسي على التدوينات القصيرة ومنذ اكثر من 17 عاماً، وهذا هو هدف الشركة الاساسي والأول، بينما تطبيق ثريدز لم يحدد مكانه حتى هذه اللحظة هل هو تطبيق للتدوينات القصيرة ام هو امتداد لإنستقرام والمعروف بأهتمامه بعالم الصور والفديوهات!

مستقبل ثريدز
على الرغم من مواصلة شركة ميتا تحديث تطبيق ثريدز بشكل مستمر، حيث تمتلك الشركة كافة الامكانات الضخمة سواءً أكانت مالية أو تقنية، والتي تم ومازال يتم تسخيرها لنجاح تطبيق ثريدز، ولكن يبقى السؤال الأهم يدور حول ما إذا كان التطبيق يمكنه التعافي والعودة للنهوض على قدميه مرةً أخرى، وكسب شريحة اكبر من المستخدمين الجدد؟ على الرغم من تراجع التفاعل النشط للمستخدمين على التطبيق إلى حوالي 10 مليون شخص نشط يومياً في فبراير الماضي مقارنةً بحوالي 200 مليون حساب نشط يومياً في نفس الشهر على منصة اكس، وهذا فارق كبير يوضح مدى ضعف الاقبال والاهتمام في تطبيق ثريدز!

عالم وسائل التواصل الاجتماعي عالم كبير وعوامل النجاح والفشل فيه وان كانت يمكن التنبؤ بها إلى درجة معينة أحياناً، ولكنه يصعب الجزم بما سيحدث مستقبلاً. وعلى الرغم بأن المحلليين منقسمين بين من يقول بأن تطبيق ثريدز قد أصبح في طي النسيان وانه بحكم الميت سريرياً الآن، إلا ان البعض يعتقد ان التطبيق في مرحلة خمول وقد يعود يوماً ما للساحة ويزاحم تطبيق اكس في عالم التدوينات القصيرة (Microblogging). وبين كل تلك الأراء المتضادة، لا نستطيع الحكم بموت او عودة التطبيق، ولكن الاهم من ذلك كله هو أخذ حالة تطبيق ثريدز كحالة تستحق الدراسة لكل شركة او جهة تنوي بناء وتطوير تطبيق يوجد له منافس شرس في السوق، ومعرفة ما الاسباب الحقيقة التي قد تؤدي لفشل التطبيق او نجاحه في عالم مزدحم بالتطبيقات والبرمجيات، تلتهم فيه كبار التطبيقات اي تطبيق ناشئ يحاول الصمود وسط أمواج هائلة يمكن وصفها بأنها امواج المحيط الاحمر (Red Ocean) الذي تبتلع فيه اسماك القرش والاسماك الكبيرة الاسماك الاصغر حجماً وأقل حظاً.

أترك تعليق