قد يلاحظ كل من درس في الولايات المتحدة او زار جامعتها او حتى زار المدن التي تتواجد فيها الجامعات الامريكية، حجم الولاء الكبير لدى الطلاب تجاه جامعاتهم، بل سيلاحظ أن هذا الولاء منتشر بين سكان المدن التي تتواجد فيها تلك الجامعات حتى وإن كانوا من غير منسوبيها! كذلك ستلاحظ وأنت تتجول بين أروقة الحرم الجامعي، أن عدداً كبيراً خصوصاً من الطلاب يرتدون ملابس او منتجات عليها شعار جامعتهم. هذا المشهد سيتكرر معك، أينما وليت وجهك في المدينة التي تستضيف الجامعة (وإن كان بنسبة أقل خارج الحرم الجامعي) سواءً في المولات التجارية او الفنادق او المطارات.

هذا الهوس في الإنتماء للجامعة والولاء الكبير لها كما يصفه السيد توم كولير في مقاله المعنون بـ (?What Exactly is American School Spirit All About)، والذي يتسائل فيه كاتب المقال حول السر خلف روح الفخر العالية للطلاب تجاه جامعاتهم في الولايات المتحدة؟ – يمكنكم الاطلاع على كامل المقال هنا -. السيد كولير هو خريج جامعة ليفربول في بريطانيا، ومن ثم توجه للولايات المتحدة الامريكية لإكمال دراسته وبالتحديد في جامعة ميريلاند، حيث لفت انتباهه الروح العالية للطلاب وحماسهم لجامعاتهم، وهذا ماجعله يتسائل في مقاله عن سبب هذا الأمر الذي لم يشعر به عندما كان طالباً في جامعة ليفربول، ولم يكن يشاهد هذا الهوس بالملابس والمنتجات التي عليها شعار الجامعة في جامعات بلده الام (بريطانيا). ما أثار استغراب الكاتب هو ان الجامعة مكان أكاديمي وبحثي بحت، وعلى حسب وصفه، أن الطالب في نهاية المطاف سيحصل على وثيقة جامعية، تثبت أنه اكتسب معرفة وحصل على تدريب في مجال دراسته، وهذا هو كل دور الجامعة! فلماذا كل هذا التعلق الشديد بالجامعة والفخر!؟

بعد قضاء عدة سنوات في جامعة ميريلاند، توصل السيد كولير لقناعة بأن الامر كله متربط بالرياضة، حيث أنها هي المحفز الرئيسي لهذه الروح العالية وهذا الفخر الكبير بالجامعة! وأشار في كلامه، إلى المباريات التي تجري بين منتخبات الجامعات الامريكية، وكيف أن طلاب الجامعة وسكان المدينة يحرصون على حضورها وتشجيع فريقهم الجامعي، يرافق ذلك كله احتفالات داخل الحرم الجامعي يتفاعل معها الجميع خصوصاً عند انتصار فريقهم الرياضي في بطولات تنافسية بين الجامعات الامريكية، وهذا مايجعل اغلب الطلاب يحرصون على ارتداء ملبوسات عليها شعار الجامعة وهويتها تبين انتمائهم ومحبتهم لجامعاتهم. هنا ينتهي مقال السيد كولير.

سبق وأن كتبت في آواخر شهر ديسمبر عام 2022م مقال يتقاطع مع نفس موضوع مقال السيد كولير، وكان بعنوان (الرياضة ودورها في أنسنة وتطور الجامعات) – يمكن الطلاع عليه هنا -، تحدثت فيه عن أهمية دور الرياضة في أنسنة الجامعات وتطورها. في المقال، تطرقت إلى الدور الذي لعبته ومازالت تلعبه الرياضة في بروز مسميات مهمة في نظام الجامعات الامريكي، ومن أهمها وعلى رأسها مسمى جامعات الـ Ivy League Schools، وهي من أشهر ثمان جامعات في العالم (جامعة برينستون، جامعة هارفارد، جامعة كولومبيا، جامعة بنسلفينيا، جامعة ييل، جامعة كورنيل، جامعة دورتموث، وجامعة براون) وجميعها في شمال شرق الولايات المتحدة.

هذه الجامعات الثمان كان العامل الذي جمعهم تحت مسمى الـ (Ivy League) هو عامل الرياضة، ولذلك فإن معنى الـ Ivy League Schools هو جامعات دوري الآيفي. أصبحت هذه الجامعات منذ عام 1954م تعرف بجامعات الـ (Ivy League)، ومنذ ذلك التاريخ والمنافسة بين هذه الجامعات على أشدها في عدة رياضات من أهمها كرة القدم الأمريكية وكرة السلة والهوكي والبيسبول وغيرها، مما جعل ليس فقط منسوبي الجامعات يتفاعلون وبشكل كبير مع المباريات الرياضية مع الجامعات الأخرى وإنما أيضا سكان المدن التي توجد فيها هذه الجامعات. وأصبح المنسوبين من طلبة وكادر أكاديمي وإداري وسكان المدن يتفاخرون بأندية جامعاتهم وتميزها ويقومون بارتداء الزي الرياضي الذي يحمل شعار الجامعة مما زاد من روح الحماس والتفاعل داخل الحرم الجامعي وفي المدن التي تحوي تلك الجامعات.

هذا الحماس الشديد لفرق الجامعة الرياضية، والاحساس بالانتماء جعل الطلب على الملابس والمنتجات التي عليها شعار الجامعة يزداد بشكل كبير، أدى ذلك مع الوقت إلى مسارعة الجامعات الامريكية لتأسيس متاجر لبيع الملبوسات والمنتجات المتنوعة التي عليها شعار الجامعة وهويتها، تعرف بمسمى ”متجر الجامعة – University Store“. هذه المتاجر اصبحت توفر ملبوسات ومنتجات بشعار وهوية الجامعة بكميات كبيرة، تصل احياناً لدرجة أن يتكون متجر الجامعة من عدة طوابق. من زار تلك المتاجر الجامعية (University Stores)، سيلاحظ انها مليئة بالملبوسات والمنتجات التي تحمل هوية الجامعة، وقسم الادوات المكتبية والقرطاسية لا يشغل حيز كبير منها، والتركيز الاكبر هو على المنتجات الاخرى والملابس التي تسوق لهوية الجامعة.

هذا الفخر بالجامعة والانتماء الكبير لها، اصبحاً حاضراً بدرجة اكبر عندما ارتبط ايضاً بالانجاز الاكاديمي والبحثي، بحيث اصبحت الجامعات المتميزة خصوصاً في المجال الاكاديمي والبحثي أكثر شهرةً وازدادت رغبة الطلبة من جميع انحاء العالم في الانضمام لها، لدرجة ان بعض زوار الجامعات الامريكية المشهورة، يحرص إن كان في الحرم الجامعي على المرور على متجر الجامعة وشراء بعض المنتجات التي عليها هوية الجامعة، حتى وان لم يكن احد منسوبيها!

هل تتوقع عزيزي القارئ أن الفوز بجائزة بحثية معينة، او جائزة في مجال التعليم وحده هو ما أوصل طلاب الجامعات الامريكية لهذا الهوس في التفاخر بجامعاتهم!؟ بالطبع قد يكون لذلك أثر ولا نختلف في ذلك، ولكن أثر الرياضة والحماس والمنافسة مع الآخر له دور بارز جداً في ذلك الشعور والانتماء. ولو كان التميز العلمي والاكاديمي هو العامل المؤثر الوحيد في نفوس الطلبة، لكان طلاب بعض الجامعات في الدول الاسكندنافية (السويد والنرويج فنلندا والدنمارك، او كوريا واليابان) – والتي قد يكون بعض أعضاء هيئة التدريس فيها والباحثين حصلوا على أرقى الجوائز العالمية كجائزة نوبل – أكثر حماساً وفخراً من طلاب جامعة مغمورة في اطراف الولايات المتحدة ولم تدخل حتى في تصنيف افضل 1000 جامعة، بينما متجرها الجامعي يبيع ملبوسات ومنتجات قد تكون متوزعة في عدة طوابق، وترى طلابها يسيرون كلوحات اعلانية لتسويق هوية جامعتهم.

ولتوضيح اثر الرياضة في تعزيز مشاعر الانتماء والفخر، لننظر للأندية الرياضية – خارج البيئة الجامعية -، وكيف ان المنافسات بينها تشعل روح الحماس، لدرجة تصل إلى انقسام افراد الاسرة بين مؤيد لذلك الفريق وآخر خصم لفريق شقيقه! حتى انك تشاهد ألوان الفرق الرياضية تزين المدرجات وبعض الشوارع، وشعارات الاندية مطبوعة على ملبوسات يرتديها الصغير والكبير من مناصري الفرق الرياضية في مختلف الاماكن التي يرتادونها! واحاديث المباريات والاحداث الرياضية تشغل المجالس دائماً.

هذا المقال لا يدعو ان تتحول الجامعات إلى أندية رياضية تغص بالمشجعين! فالاندية الرياضية لها تواجدها ولها جمهورها ومسابقاتها القائمة والحماسية. سيبقى تركيز الجامعات الاهم والاكبر دائماً منصب على التعليم والابحاث والابتكار، فهذا هو الهدف الأساسي الذي تم إنشاؤها من أجله، وعليه يتم التخطيط ورسم الاهداف. ولكن، مانقترحه في هذا المقال، ان يتم الاهتمام بالرياضة في الجامعات بشكل أفضل وأعطائها اهمية، لأنها تضيف للجامعات روح وتفاعل اجتماعي كبير، وتجعل الحرم الجامعي نابضاً بالحياة. لذلك من المهم التفكير دائماً في كيفية رفع جودة المنافسات الرياضية بشكل احترافي أكثر من خلال أفضل الطرق التي تضمن ان يكون للرياضة في الجامعات اثر في تعزيز انتماء الطلاب بجامعاتهم، خاصةً ان الطلاب هم في اعمار شابة، تستهويهم جداً الرياضة ومنافساتها، وتنعكس حتى على الحالة المزاجية لهم، فالطلاب هم انفسهم مشجعين ومتابعين للأندية الرياضية، فما بالك لو كان هذا النوع من الحماس منصب على تشجيعهم للمنتخبات الرياضية لجامعاتهم!

وطننا الغالي اليوم، يشهد ليس فقط خطوات في التطور والتقدم، بل قفزات رائعة ولله الحمد، والمسؤولين عن التعليم الجامعي يقومون بعمل أكثر من رائع في كافة الاتجاهات، وموضوع الرياضة الجامعية والمنافسات الرياضية بين الجامعات هي محل الاعتبار بكل تأكيد، خصوصاً مع التطور الكبير الذي يشهده قطاع الرياضة في المملكة. موضوع تطوير الرياضة سيعطي الجامعات ووزارة التعليم فرص واعدة أكبر خصوصاً عند التفكير في الشراكات المفيدة مع الجهات التي لديها اهتمام بالشأن الرياضي في المملكة، ونقل الرياضة الجامعية للمستوى الاحترافي والتسويق لها وجعلها عامل محفز ليس فقط لزيادة شعور الانتماء، وانما كذلك لزيادة الايرادات المالية واستدامتها.

وكما يصف احد الاكاديميين المخضرمين الذين التقيت بهم في احد المؤتمرات خارج المملكة، حيث يقول ”الجامعة هي نظام حياة متكامل وليست فقط قاعة دراسية و معمل أبحاث!“

ملاحظة: هذا المقال ليس من باب التحيز للجامعات الامريكية، ولكن الهدف هو الاطلاع على أفضل الممارسات العالمية التي تحفزنا على التفكير في كيفية جعل البيئة الجامعية لدينا أكثر نبضاً بالحياة، وكذلك التسويق لجامعاتنا، والتي تعتبر للأمانة من أفضل الجامعات في المنطقة، ولكن نشأنا وتعلمنا كسعوديين، بأن لا نسعى إلا للقمة والتميز دائماً.

أترك تعليق