سيارة فورد، الاسم الذي يعرفه الجميع حول العالم والذي كان له الأثر الكبير في تغيير مفهوم التنقل الشخصي. معظمنا قد جرب سيارة فورد أو على الأقل يعرف شخصًا يمتلك واحدة. فكيف تحولت هذه السيارة إلى جزء لا يتجزأ من حياتنا اليومية؟ وكيف استطاع هنري فورد، المزارع البسيط من ولاية ميتشيغان في الولايات المتحدة، أن يصبح واحدًا من أعظم المبتكرين وأشهر الأثرياء في العالم؟
هنري فورد، الاسم الذي لا يزال يتردد في عالم السيارات والابتكار، هو احد الشخصيات البارزة التي غيرت وجه الصناعة الأمريكية والعالمية للأبد. ولد في 30 يوليو 1863 في مزرعة عائلته في مقاطعة واين (Wayne) بالقرب من مدينة ديربورن (Dearborn) – عاصمة صناعة السيارات الأمريكية – بولاية ميشيغان الأمريكية. من بداياته المتواضعة كمزارع صغير إلى تأسيسه لشركة فورد موتورز، استطاع هنري فورد أن يصبح رمزًا للابتكار والنجاح الصناعي.
بداية الفكرة
كانت فكرة هنري فورد التي أطلقته نحو الشهرة والثروة هي تقديم سيارة تكون في متناول الجميع، وليست حكرًا على الأثرياء فقط. حينما كان يعمل كمهندس في شركة إديسون للإنارة الكهربائية، كان فورد يقضي أوقات فراغه في تطوير محرك يعمل بالبنزين. وفي عام 1896، نجح في بناء سيارته الأولى التي أطلق عليها اسم “فورد كوادريسيكل”.
تحويل الرؤية إلى واقع
بعد تجربة فورد الناجحة مع الدراجة الرباعية (الكوادريسيكل – Quadracycle) ، أسس فورد شركة فورد موتورز في عام 1903م بمساعدة مجموعة من المستثمرين. كانت الفكرة التي تشكل تحدي لفورد تتجلى في إنتاج سيارة تكون في متناول الجميع. وذلك لكون السيارات في تلك الحقبة الزمنية تعتبر من السلع باهضة الثمن حيث لم ليكن العديد من المواطنين لديهم المقدرة على شراء السيارات، وكان الاغلب يتنقلون عن طريق العربات التي تجرها الأحصنة. لذلك، عمل السيد فورد على تطوير نموذج “موديل تي – Model T” الذي تم إطلاقه في عام 1908م. كانت هذه السيارة مميزة بسعرها المعقول وتصميمها البسيط والمتين، مما جعلها تحظى بشعبية واسعة.
الفكرة الابتكارية التي أدت للثورة الصناعية في مجال السيارات
ولكن الإنجاز الحقيقي لفورد لم يكن في تصميم سيارة موديل تي (Model-T) فقط، بل في الطريقة التي تم بها إنتاجها. قدم فورد مفهوم خط التجميع المتحرك (Assembly Line) في عام 1913م، وهو ما كان ثورة صناعية حقيقية ومفهوم جديد في صناعة السيارات! بدلاً من أن يتم تصنيع السيارة قطعة قطعة في مكان واحد، تم تقسيم العمل إلى خطوات صغيرة يتم تنفيذها على خط تجميع متحرك (Assembly Line)، مما زاد من كفاءة الإنتاج وخفض التكاليف بشكل كبير.
الفكرة الابتكارية التي غيرت مفهوم صناعة السيارات في العالم وحولت السيد هنري فورد لأحد أثرياء العالم هي ”خط التجميع المتحرك – Moving Assembly Line“. في عام 1913م، قدم فورد خط التجميع المتحرك في مصنعه في هايلاند بارك بولاية ميشيغان. كانت الفكرة هي تحريك السيارة على حزام ناقل عبر محطات عمل (Work Stations) مختلفة، حيث يقوم العمال بأداء مهام محددة (تمر السيارة على عدة محطات عمل على خط الانتاج) حتى تخرج السيارة كاملةً من آخر محطة عمل على خط الانتاج. سمحت هذه الفكرة الابتكارية في عالم صناعة السيارات بتقليل كبير في وقت الإنتاج، وهذا أدى لخفض تكاليف صناعة السيارة الواحدة بشكل كبير! بفضل هذه التقنية الجديدة تم تقليص الوقت المستغرق لبناء سيارة موديل تي Model-T من 12 ساعة إلى ساعتين ونصف، مما أدى بدوره إلى خفض تكلفة انتاج السيارة من 850 دولارًا في عام 1908 إلى 310 دولارات بحلول عام 1926م.
هل كانت فكرة خط التجميع (Assembly Line) جديدة في ذلك الوقت؟
من يدقق في فكرة السيد فورد الخاصة بإدخال خط التجميع (Assembly Line) في عالم صناعة السيارات، سيلاحظ أن فورد لم يخترع فكرة جديدة! كل ماقام به هو استعارة فكرة خط التجميع من مصانع اللحوم، وتطبيقها في مصنع شركة فورد الخاص بصناعة السيارات، ولكن بطريقة لم يسبقها بها احد في عالم صناعة السيارات!
في أوائل القرن العشرين، استخدمت صناعة تعبئة اللحوم في مدن مثل شيكاغو عملية “خط التفكيك – Disassembly Line”. تضمنت هذه الطريقة نقل المواشي المذبوحة على خط ناقل متحرك، مع وجود العمال في نقاط مختلفة (تسمى محطات عمل – Work Stations) لأداء مهام التقطيع المحددة للمواشي، حيث كان كل عامل متخصصًا في مهمة واحدة فقط، مثل إزالة الجلد أو نزع العظام، مما سمح بمعالجة أسرع وأكثر كفاءة. هذه الفكرة ألهمت السيد هنري فورد عند مشاهدته لها في مصانع تعبئة اللحوم في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة، وهذا ماجعله يتأمل في الفكرة بشكل عميق، ويفكر في كيفية إستغلالها وتطبيقها في صناعة السيارات! وبالفعل قرر تطبيق الفكرة، ونجح في ذلك نجاحاً كبيراً. أدى هذا النجاح مع مرور الوقت لبروز اسم السيد هنري فورد كأحد اشهر صانعي السيارات في العالم. بدأت السيارات – بسبب انخفاض تكلفة انتاجها – تنتشر ليس فقط بين المواطنين في الولاات المتحدة، بل كذلك في أغلب دول العالم في ذلك الوقت. بعد نجاح شركة فورد في تطبيق المفهوم الجديد (خط الانتاج – Assembly Line) في عالم صناعة السيارات، حذت العديد من شركات صناعات السيارات حول العالم حذو شركة فورد، واصبحت اسعار السيارات في متناول اغلب الناس!
هل من الممكن بأن تكون مبتكر في مجالك؟
قد يتفاجئ البعض ان العديد من المنتجات او الخدمات التي نتمتع بها اليوم في عالمنا، انما هي نتيجة دمج عدة أفكار قائمة مع بعضها البعض، وتقديم فكرة مبتكرة جديدة بتصور جديد غير موجود من قبل! هنري فورد على سبيل المثال، لم يقم بإختراع السيارة، بل أول من اخترع السيارة بمفهوها الحديث – التي تعمل بالوقود – هو الألماني كارل بنز (Karl Benz) في عام 1886م. السيد هنري فورد وغيره من المهتمين بصناعة السيارات، أكملوا العمل وقاموا ببناء نماذج أخرى من السيارات مثل سيارة موديل تي (Model-T)، وطوروها للأفضل. لكن لم يكن من السهل الحصول على سيارة في ذلك الوقت بسبب ارتفاع تكلفة صناعتها، حيث كانت تصنع بشكل بطيء ويدوي. استمرت الافكار بالتطور، حتى ادخل هنري فورد فكرة خط التجميع (Assembly Line) حيث قام بإستعارة الفكرة من صناعة اللحوم، وأدت هذه الفكرة لثورة كبيرة في عالم صناعة السيارات في الولايات المتحدة وحول العالم!
الابتكار قد لا يتطلب ان تأتي بفكرة من العدم! أحياناً تدقيقك في الامور التي تعمل عليها او الاشياء من حولك وتأملك فيها بعين فاحصة وذهن متوقد وحاضر، قد يجعلك ترى امكانية دمج بعض الافكار الموجودة مع بعضها وذلك لحل مشكلة قائمة او تقديم منتج او خدمة جديدة بطريقة لم تكن موجوده من قبل ولم يسبقك أحد عليها!
هذا هو نفس المبدأ الذي طبقه ستيف جوبز (Steve Jobs) عندما قدم المنتج الذي انقذ شركة أبل (ِApple) وساعدها في العودة للاسواق بعد عقود من الخسائر المالية والتشغيلية التي مرت بها الشركة، وكادت ان تتسبب في اعلان شركة ابل لإفلاسها! كانت الفكرة التي قدمها ستيف جوبز (Steve Job) هي جهاز الـ iPod وهو جهاز بحجم كف اليد يسمح للمستخدمين من الاستماع للملفات الصوتية، مربوط بمتجر الآي تيونز (iTunes) وبواجهة مستخدم رائعة تتميز بالمرونة وسهولة الاستخدام. الـ iPod كان احد اهم النجاحات التي اعادت شركة أبل لصدارة قائمة الشركات الرائدة في مجال التقنية. أعقب هذا النجاح، ظهور الـ iPhone في عام 2007م والذي غير مفهوم الاتصالات في العالم تماماً، حيث تم دمج خاصية الاتصال (الهاتف) مع خصائص اخرى يقوم بها جهاز الكمبيوتر (مثل ارسال الايميلات وتحرير الملفات والاستماع لمقاطع الصوت ومشاهدة مقاطع الفيديو وغيرها) حيث تم دمج كل تلك الوظائف في جهاز واحد تمت تسميته iPhone. هذا المنتج الذي جعل شركة أبل تتربع على عرش صناعة التقنية في العالم!
الامثلة التي تدل على المنتجات او الخدمات التي كانت نتيجة دمج عدة أفكار مع بعضها البعض، أكثر من ان يتم حصرها في هذا المقال، وجميعها منتجات وخدمات رفعت من مستوى جودة حياة البشر!
اليوم بإمكان أي شخص ان يكون صاحب فكرة اكثر من رائعة وربما فريدة ولها مردود كبير سواءً تجارياً او معرفياً، فكل ماعليك ان تدقق فيما تقرأ او تشاهده ويكون لك ذهن حاضر، حتى ولو كان ذلك في مواضيع خارج تخصصك او مجالك، مجال صناعة اللحوم جعل من السيد هنري فورد احد اشهر صانعي السيارات في العالم، لذلك لا تقلل من أي فرصة او تجربة تمر بها وحاول ربطها فيما يمر عليك من تحديات ومشاكل، فربما تكون احدى ملاحظاتك وأنت تتسوق في السوبرماركت القريب من منزلك، كفيلة بحل احدى اعقد المشاكل او التحديات التي تواجهها في تجارتك او عملك او ابحاثك!