يتساءل البعض ويقول لماذا عند دراستك في إحدى الجامعات الغربية أو حتى عند زيارتك لها تجد أن الجامعة عبارة عن خلية نحل، تشعر بالحركة بين الكليات وداخل المكتبات –لدرجة أنك تقف تنتظر في المكتبة أحيانا لمدة تتجاوز النصف ساعة أو أكثر حتى يتاح لك أحد المقاعد لتستطيع الجلوس– ناهيك عن الازدحام بالمقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه داخل الجامعة، ليس فقط خلال الفترة الصباحية وبعد الظهر ولكن لأوقات متأخرة مساء.
باختصار الجامعة هناك عبارة عن عالم مستقل ومتكامل ونشط وحيوي، أغلب الخدمات والمهام التي تريدها أو تحتاجها في يومك ستجدها متاحة لك داخل الجامعة أو في المناطق المجاورة لها. الطلبة تجدهم هناك في ممرات الجامعة وردهات الكليات حتى التاسعة أو العاشرة مساء، في أيام الاختبارات تفتح المكتبات أبوابها حتى الساعة 12 صباحا لتوفير أماكن مناسبة للطلبة للمذاكرة وإعداد البحوث.
هل مفهوم الجامعة وطريقة عملها هناك يختلف عن مفهوم الجامعة وطريقة عملها في عالمنا العربي؟ هل النظام الاجتماعي والثقافي هناك له دور في ذلك؟ في الحقيقة، الأسئلة كثيرة والإجابات عليها أكثر.
جامعاتنا اليوم لديها إمكانات عديدة وبرامج أكاديمية مميزة وكادر أكاديمي تعلم في أرقى وأفضل الجامعات بالعالم، ولكن ما نحتاجه هو انفتاح جامعاتنا على المجتمع أكثر وتوفير بيئة جاذبة ليس فقط للطلاب وإنما للكادر الأكاديمي والباحثين، الجامعة ليست فصلا دراسيا فقط أو منهجا أكاديميا أو معمل أبحاث! من يدرس بالجامعة أو يعمل بها سيحتاج بيئة محفزة من أماكن جلوس وترفيه ومطاعم ومقاه وخدمات توفر له بيئة مريحة وجاذبة للعمل والإنتاج والإبداع.
من يعمل بالأبحاث يعلم بأن البحث العلمي غير مرتبط بساعات عمل معينه، ويتطلب جهدا وتركيزا وصبرا قد يمتد من أسابيع إلى أشهر وربما إلى سنوات. مثل هؤلاء الباحثين لا يمكنك أن تقنعهم بأن ساعات العمل تنتهي عند الساعة الخامسة عصرا أو حتى العاشرة مساء، كل ما يحتاجه هؤلاء هو أماكن توفر لهم ما يحتاجونه للبقاء والعمل بطريقة إيجابية ومحفزة.
أغلب جامعاتنا اليوم توجد فيها أماكن للترفيه وأماكن للقهوة والطعام، لكن أجزم بأن كل جامعاتنا لا تقوم بتفعيل ذلك بشكل جيد، بدءا من الجامعات الكبيرة والتي تزخر بعدد كبير من الطلبة وحتى الجامعات الطرفية والصغيرة، كل المطلوب منك هو زيارة أماكن الترفيه والمطاعم في هذه الجامعات لتجد أنها شبه خالية من الزوار لدرجة أن عددا من المستثمرين يتردد في المنافسة على الاستثمار في جامعاتنا أو قد يقوم بإيقاف العقد التعاقدي قبل انتهاء مدته، لماذا؟ وبعض هذه الجامعات عدد الطلاب فيها يتجاوز الـ 50 ألف طالب وطالبة!
هل ركزنا على الجانب الأكاديمي والبحثي وأهملنا جانب توفير البيئة الجاذبة والمناسبة للمنسوبين؟ هل نعتبر بأن توفير مثل هذه الخدمات هو من الكماليات غير المهمة أو الثانوية؟ لا أعلم، من الممكن بأن تقوم أي جامعة من جامعاتنا بالتعاقد مع أفضل الأكاديميين أو الباحثين في العالم واستقطابه، ولكن عند انضمامه وبدأ عمله سيجد صعوبة في التأقلم والبقاء وذلك لأن الخدمات غير الأكاديمية في الجامعات لدينا غائبة أو ضعيفة، مما يدفعه للاستقالة أو الانتقال لمكان أفضل، لأن الجامعة في منظوره هي منظومة حياة وليست فصلا دراسيا فقط أو معمل أبحاث.
الجامعة ليست فقط إحدى الركائز المعرفية بأي مجتمع بل وأيضا الثقافية والرياضية والاجتماعية. أشهر أبطال دوري السلة الأمريكي للمحترفين وكذلك أبطال دوري كرة القدم الأمريكية للمحترفين هم بالأساس طلبة جامعات تميزوا بالجانب الرياضي، ولهذا السبب نجد أغلب الجامعات هناك مفتوحة لعامة الشعب للاستفادة من مرافق الجامعة وخدماتها، فالجامعة لها تأثير كبير على أغلب مناحي الحياة المجتمعية، حتى أنه لا توجد أسوار ولا بوابات دخول للجامعات الغربية على وجه التحديد فهي جزء لا يتجزأ من المدينة وكل فرد من أفراد المجتمع يستطيع زيارة الجامعة بسهولة والاستفادة من مكتباتها ومرافقها وفق ضوابط معينة ومناقشة العلماء الموجودين فيها والاستفادة منهم.
ما نحتاجه اليوم، هو أنسنة الجامعات بإضافة حياة داخلها تشعر الطلاب والكادر الأكاديمي والإداري بأنهم بمكان حيوي ونشط ومفعم بالحياة وليس مكانا تعليميا وبحثيا جامدا بلا روح ينتظر فيه الأشخاص انتهاء ساعات العمل اليومية وذلك للخروج وقضاء متطلباتهم أو البحث عن أماكن أكثر راحة لم يجدوها في جامعاتهم. ما الذي يمنع بأن يتم استضافة بعض الجهات الحيوية الحكومية والخاصة داخل الحرم الجامعي، كشركات الاتصالات وشركات التقنية وشركات القطاع الصحي وغيرها العديد والعديد من الجهات التي لا يمكن حصرها في هذا المقال. هذا سيساعد في زيادة الأشخاص الزائرين والمرتادين للجامعات وسيحفز المستثمرين من دخول الجامعات وخلق بيئة جاذبة ليس فقط لمنسوبي الجامعة وإنما كذلك للزائرين.
ما نحتاجه اليوم هو أن تنفتح جامعاتنا على المجتمع المحيط بها وكرأي شخصي وددت لو تتم إزالة أسوار الجامعات وتبقى الجامعة مباني شامخة وجميلة كنسيج واحد ومتكامل مع ما يحيط بها من عمران وأبنية تضيف بعدا وجمالا آخر للوجه الحضاري للمدينة.
أعتقد بأن وزارة التعليم والعديد من القيادات بالجامعات بدأت تنظر بعين الاهتمام لهذا الموضوع وسنشهد خلال السنوات القريبة القادمة بإذن الله تغيرا في هذا الاتجاه وتطويرا للجامعات لتواكب رؤية المملكة الجميلة رؤية 2030.