في مقال هذا الأسبوع نكمل ما تحدثنا عنه في المقال الماضي عن تقنية الجيل الخامس وصراع الولايات المتحدة والصين عليها.
المتابع لوسائل الإعلام الأمريكية بالتحديد لا يخفى عليه مدى مراقبة هذا الإعلام واهتمامه بالتطور السريع لنمو شركة هواوي الصينية التي تعد أكبر مصنع لأجهزة الاتصالات في العالم. هذه الشركة هي التي تبني شبكات الاتصالات، خاصة شبكات الجيل الخامس (5G)، في مختلف الدول بما فيها دول حليفة للولايات المتحدة كبريطانيا وألمانيا وبعض الدول الآسيوية والشرق أوسطية.
ومع أن السبب المعلن للتخوف الأمريكي من الصعود الرهيب لشركة هواوي وسيطرتها على شبكات الاتصالات هو هاجس الأمن القومي الأمريكي من تجسس الصين على المعلومات الحساسة والعسكرية للولايات المتحدة التي سيجري نقلها عبر شبكات الجيل الخامس، فهذا ولو كان صحيحا لكنه ليس السبب الوحيد فقط.
يعلم العالم مدى أهمية تقنية الجيل الخامس التي ستلعب دورا مهما في عديد من مناحي الحياة في المستقبل القريب في كل المجالات، سواء العسكرية أو الصحية أو التعليمية أو غيرها، ومدى تأثير هذه التقنية على التطور في مجالات الذكاء الاصطناعي وانترنت الأشياء والبيانات الضخمة، وعليه فإن ترك هذا العملاق الصيني يسيطر على شبكات الاتصالات اللا سلكية في العالم سيعني تراجع الهيمنة الأمريكية والريادة التي كانت لها في أغلب المجالات التقنية. لذلك تحاول الحكومة الأمريكية الحد من هذا التقدم المتسارع للمنافس الصيني وذلك بخلق عديد من القيود والعراقيل على عمله وتحركه، خاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
ظهر هذا واضحا من خلال فرض عقوبات من البيت الأبيض على الشركات الأمريكية التي تعمل وتتعاون مع شركة هواوي، ولعل أشهر هذه الحالات كان امتناع شركة قوقل عن تجديد الترخيص الذي يسمح لشركة هواوي باستخدام نظام الأندرويد على أجهزتها – نظام الأندرويد هو النظام الذي تعمل به أجهزة الجالكسي وأجهزة أغلب الشركات الأخرى ما عدا شركة أبل التي تملك نظام التشغيل الخاص بها المسمى iOS، مما دعا شركة هواوي إلى التفكير جديا في بدء البحث عن بدائل لنظام الأندرويد التي قد تكون في المستقبل القريب نظاما مشابها لنظام التشغيل هارموني أو إس HarmonyOS الذي أنتجته شركة هواوي وكشفت الستار عنه خلال المؤتمر الذي نظمته الشركة في الصين بتاريخ 9 أغسطس الماضي والمخصص لأجهزة انترنت الأشياء كالتلفاز وأنظمة السيارات التقنية وغيرها.
الصراع بين الولايات المتحدة والصين لا يزال مستمرا على أشده، خاصة في المجالين التقني والتجاري، والعملاق الصيني رغم كل الصعاب يشق طريقه نحو السيطرة على العالم في عديد من القطاعات، فالشركات والبنوك الصينية التي لم يكن يوجد منها في قائمة الصدارة العالمية إلا العدد القليل قبل 20 عاما ها هي تزاحم على المراتب الأولى في السنوات الخمس الماضية.
ومع أن الجودة والإتقان هما ما يعطيان المنافس الأمريكي الصدارة إلى الآن، إلا أن التقنيات والمنتجات الصينية تشهد تحسنا ملموسا وملاحظا سيطيل من عمر هذا الصراع على الأقل لسنوات عديدة مقبلة.