يشهد وطننا الغالي تناميا في عدد كليات هندسة وعلوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات في قطاعيه العام والخاص. لكن المتابع والمراقب لمخرجات هذه الكليات يلاحظ تباينا في جودة مخرجاتها التعليمية، وبالنتيجة تسعى بعض جهات التوظيف، خاصة في القطاع الخاص أو شبه الحكومي، لتوظيف خريجي جامعات وكليات بعينها، وذلك بسبب جودة مخرجاتها وقدرتهم على ممارسة المهام الموكلة إليهم مباشرة بعد التوظيف، بدون دفع مبالغ كبيرة عليهم في التدريب والتطوير.
ولكن التساؤلات التي يطرحها المراقبون لهذا الوضع من المختصين في مجال التعليم أو حتى الجهات الموظفة هو: لماذا هذا التباين في المخرجات بين هذه الكليات؟ هل هو بسبب المنهج الدراسي؟ أم بسبب الكادر التعليمي أم بسبب عدم وجود معامل مجهزة بالشكل المطلوب أم بسبب أنظمة هذه الكليات أم ماذا بالضبط؟
في الحقيقة لا يمكن حصر المشكلة في سبب واحد فقط يقف وراء هذا الاختلاف في مخرجات التعليم ما بين كلية وكلية أخرى، وليس المقصود من هذا المقال حصر هذه الأسباب أو مناقشتها، ولكن القصد إيجاد حلول ترفع من مستوى مخرجات كليات هندسة وعلوم الحاسبات وتقنية المعلومات في مختلف مدن المملكة، بحيث يصبح خريجو هذه المؤسسات التعليمية على مستويات عالية من الاحترافية والجهوزية لسوق العمل ومتطلباته.
من وجهة نظر أكاديمية، لماذا لا يجري إنشاء هيئة تخصصية مهمتها الإشراف على هذه الكليات في كلا القطاعين الحكومي والخاص، والتأكد من حصول هذه الكليات على اعتماد الهيئة لبرامجها التعليمية. وأن ترتبط هذه الهيئة بوزاة التعليم وتسمى «الهيئة السعودية للتخصصات التقنية والمعلوماتية» أو أي اسم آخر يناسب أهدافها ومهامها؟
تشرف هذه الهيئة على مناهج هذه الكليات والتأكد من تحديث هذه المناهج ومواكبتها للتقدم التقني والمعلوماتي وتوفر المعامل المجهزة بكل الأجهزة والبرمجيات المطلوبة التي تسهم بشكل مباشر في تحقيق الأهداف التعليمية. والكليات التي لا تلتزم بشروط وقوانين الهيئة لا يتم اعتمادها، مما سيضطرها إلى مراجعة مناهجها وتجهيزاتها، وذلك بغية الحصول على الاعتماد الذي سيرفع من مكانتها ومن مستوى خريجيها.
وهذا النوع من الاعتماد الخاص ليس بجديد في المجال التعليمي. فكليات الإدراة في أمريكا الشمالية على سبيل المثال تسعى جاهدة لحصولها على واحد أو أكثر من الاعتمادات الخاصة بكليات الإدارة مثل «ACBSP» أو «AACSB» أو «IACBE»، وهذه كلها جهات أو منظمات تمنح اعتمادات ترفع من قيمة كليات الإدارة وتساعد في رفع مخرجاتها.
قد يتساءل البعض لماذا هيئة بالذات للتخصصات التقنية والمعلوماتية؟
والإجابة تكمن في أن هذه التخصصات ستلعب دورا مهما في تحول المملكة للعصر الرقمي وتحقيق رؤية 2030 التي ستنقل المملكة بإذن الله إلى تنويع مصادر دخلها، والتي ستكون التقنية أحد أهم هذه المصادر، ومن أجل وصول المملكة لهدفها وتحقيق رؤيتها لا بد من رفع كفاءة خريجي التخصصات التقنية والمعلوماتية بشكل خاص.
ومن هذا المنطلق سيكون لهذه الهيئة دور مهم وجوهري في تحقيق الرؤية والهدف، وذلك من خلال رفع كفاءة خريجي كليات هندسة وعلوم الحاسب الآلي وتقنية المعلومات في كل جامعات المملكة الحكومية والخاصة، وستتيح هذه الهيئة كذلك حصول كل الخريجين على فرص متكافئة في التوظيف، لعدم وجود فوارق كبيرة بين خريجي الجامعات المختلفة.