لعلي أتذكر جيداً بعد مرور 8 سنوات من العودة لأرض الوطن ذلك البلازا المجاور لجامعة واترلو الكندية. بلازا تجاري لا يتجاوز بعده عن الجامعة مسافة الـ 200 م، توجد فيه أغلب المحلات التجارية التي يحتاجها الطالب من مطاعم ومقاهي ومحلات تصوير وحلاقة وبريد وبنك وغيرها. يزدحم هذا البلازا بالطلاب من الساعة 8 صباحاً وحتى الساعة 8 مساءً، فتجد الطلاب يسيرون فيه أفواجاً مثل أسراب النحل ينتقلون من محلٍ إلى آخر.

ومع قرب هذا البلازا من الجامعة إلا أنه يُمنَع الطلاب من إيقاف سياراتهم فيه وذلك لكي لا تزدحم المواقف المحدودة العدد أصلاً، لذلك خصصت إدارة البلازا موظف مهمته فقط هي مراقبة المواقف وتحرير مخالفات لمن يقوم بإيقاف سياراته لوقتٍ يتجاور الساعتين تقريباً. هذا الموظف هو رجل مُسن تعارف الطلبة على تسميته بصاحب الجاكيت الأسود (وفي الحقيقة ان عمله مشابه لعمل كاميرات ساهر في المملكة، لذلك يمكن تسميته ساهر جامعة واترلو). معضلة جامعة واترلو في ذلك الوقت هي عدم وجود مواقف كافية للطلبة على الرغم من وجود عدة مناطق وقوف مخصصة لسيارات الطلبة ولكنها لا تكفي لاستيعاب عدد السيارات الكبير، فحصولك على تصريح من مكتب المواقف بالجامعة لا يضمن لك مكان مخصص لإيقاف سيارتك (ملاحظة: في كندا يفضل بعض الطلبة خصوصاً في فصل الشتاء استخدام سياراتهم للذهاب للجامعة او ان يقوم احد بإيصالهم للجامعة وذلك نظراً لشدة البرودة وعدم رغبتهم في انتظار الباصات في أجواء شديدة البرودة).

عموماً إن لم تأتي للجامعة قبل الساعة التاسعة صباحاً فاحتمالية إيجاد موقف شاغر في مواقف الطلاب هي احتمالية ضئيلة جداً، وبعض الطلبة لا يأتي للجامعة إلا أوقات محاضراته والتي قد تكون بعد العاشرة أو الحادية عشر صباحاً أو للمعمل والذي سيعمل فيه حتى ساعات متأخرة من الليل. لذلك يضطر الطلبة للتوجه للبلازا القريب من الجامعة بحثاً عن موقف مناسب لسياراتهم. وهنا تبدأ رحلة الاصطياد والمطاردة بين صاحب الجاكيت الأسود (المشرف على المواقف) والطلبة. وغالب الظن بأنك ستحصل على مخالفة كل أسبوعين أو ثلاث أسابيع (قيمة المخالفة 35 دولار كندي تقريباً) حتى وإن استخدمت ذكائك وحيلك في محاولة أن لا يتعرف صاحب الجاكيت الأسود على سيارتك.

بعض الطلبة يحاول استخدام بعض الحيل كأن يخرج من الجامعة كل ساعة ونصف لتغيير موقف السيارة داخل نفس البلازا من موقف إلى موقف آخر وذلك لكي لا يلاحظ صاحبنا صاحب الجاكيت الأسود وقوف السيارة لأكثر من ساعتين في نفس المكان، ولكن صاحبنا هذا أيضاً لديه معرفة بحيل الطلبة حيث أنه في بعض الأحيان يقوم بوضع إشارة بمادة مثل الطباشير في زاوية السيارة ويعاود زيارة المكان بعد ساعتين وإن وجد علامات الطباشير عند عودته كما هي فأبشر بالمخالفة.

طبعاً الطلبة مع مرور الوقت أصبحوا يعرفون حيل المشرف على المواقف حيث يقوم بعضهم بمسح علامات الطباشير عند مروره بجوار أي سيارة يجد عليها علامات الطباشير حتى وإن لم يعرف صاحب السيارة (من باب الفزعة)، وتستمر الحكاية والمطاردة. وما الطباشير إلا إحدى الحيل، فالأوراق والصور والثلج كلها من الحيل الأخرى التي يستخدمها. ولكن حتماً إن كنت تستخدم مواقف البلازا فإنك ستخرج كل ترم أكاديمي بعدد لا يقل عن 4 مخالفات وقوف خاطئ حتى ولو استخدمت كل حيل العالم، فصاحب الجاكيت الأسود (المشرف على المواقف) سيفوز دائماً.

كرأي شخصي وددت لو أن جامعة واترلو قامت بتكريم ذلك الرجل المسن الرائع المتفاني في عمله والذي يمتد عمله لساعات طويلة في ظروف طقس قاسية تصل درجات الحرارة فيها إلى -25 درجة مئوية في فصل الشتاء، حيث أنه أستطاع أن يتفوق في حيله وذكائه وصبره على طلبة جامعة يصنف طلبتها أنهم من الأفضل على مستوى كندا.

أترك تعليق