تخيل أن تذهب لصلاة الجمعة وأنت لا تعلم أنك ستكون الخطيب لهذا اليوم!
خلال أيام الدراسة في الخارج، ذهبت في أحد أيام الجمعة لأداء الصلاة في مصلى خاص بالطلبة المسلمين في جامعة واترلو الكندية، حيث تم تخصيص إحدى القاعات لغرض تأدية صلاة الجمعة!
المصلى يقع في مبنى يسمى الـ Math Building (أي مبنى الرياضيات) داخل الحرم الجامعي (صورة المبنى المذكور هي الصورة المرفقه مع هذا المقال)، والذي يتكون من خمسة طوابق، وهو أحد أكبر مباني جامعة واترلو وأقدمها!
خلال سيرك داخل هذا المبنى لن ترى إلا رموز التفاضل والتكامل والجذور التربيعية و(س) و(ص)، وستقرأ وأنت تسير في أروقة هذا المبنى العتيق درجات اختبارات الطلبة ملصقة على لوحة مخصصة لعرض النتائج وبعض هذه العلامات تحمل في طياتها عثرات السنين! ولهذا ستصل للمصلى وأنت تحمل هم درجاتك في الاختبار المقبل!
شاهد الحديث هنا أني انطلقت ذلك اليوم من مكتبي في الجامعة للمصلى على أساس أن أكون كالعادة مستمعاً للخطبة. جلسنا وانتظرنا الخطيب ولكن للأسف لم يحضر وقد يكون السبب تراكم الثلج خارج المبنى والله أعلم، حيث كنا في ذلك الوقت في فصل الشتاء، وللناس مع الثلج في كندا قصص عدة بعضها مضحك وبعضها مبكي وبعضها تحتار في تصنيفه!
المهم هو أن الحضور أصبحوا يلتفتون في بعضهم البعض، والكل ينتظر أن يبادر شخص منا ليكون خطيب الجمعة لهذا اليوم!
أغلب الأشخاص لم يكن عندهم الاستعداد لإلقاء الخطبة، لعدم استعدادهم لها أو عدم تحضيريهم لأي موضوع قد يستفيد منه الحضور! وكنت أنا من هذا القسم، والأمل كله في أن يتبرع أحد الحاضرين للقيام بهذه المهمة.
في هذه الأثناء يدنو مني أحد الإخوة المصريين ممن أراه احياناً في نفس مبنى الكلية التي أدرس بها! ويهمس في إذني قائلا «إيه رأيك تخطب فينا اليوم القمعة!؟» الغريب في الموضوع لا أعلم حتى هذه اللحظة لماذا وقع الاختيار عليّ، وهيئتي لا تدل على اني خطيب جمعة!
ولكن قد يكون عرض عليّ ذلك لكونه يعلم اني من السعودية! الله أعلم!
الشاهد أني رفضت الفكرة لأني أولاً لم أُلقِ أي خطبة جمعة في حياتي من قبل، وثانياً، لم أرغب بإلقاء خطبة لن يستفيد منها أحد بسبب عدم التحضير لها!
ولكن تحت إلحاح شديد من الأخ المصري ومن أحد الإخوة الباكستانيين وعرضهم أن يقوموا بتجهيز موضوع الخطبة بشكل سريع وإعطائها لي وافقت!
وفعلا دخل الأخ المصري لأحد المواقع الدينية الانجليزية على الانترنت، واختار خطبة من الخطب الموجودة على ذلك الموقع بشكل عشوائي في غضون دقائق قليلة! وعادةً تلقى الخطبة في الجامعة بالإنجليزية نظرً لوجود عدد كبير من الطلبة المسلمين لا يتحدثون العربية!
ناولني الأخ المصري هاتفه وبدأت أقرأ الخطبة للطلبة الحاضرين (وكان عددهم لا يتجاوز الـ 20 طالبا)! لم أفهم من الخطبة إلا أول سطر ونصف السطر تقريباً وهي بداية الخطبة فقط! أما الباقي فلم أفهمه ولا أعتقد أنهم فهموا منه شيئاً!
كل ما كنت أفعله هو أن أومئ برأسي لهم بعد كل جملة، وهم يردون بفعل الشيء نفسه!
اكتشفت لاحقا وأنا أقرأ الخطبة أنها مكتوبة بلغة إنجليزية قديمة جداً، وفيها كمية مفردات لغوية انقرضت على الأرجح ولم يعد يستخدمها من يتحدثون اللغة الانجليزية اليوم! وأغلب الظن أن هذه المفردات كانت متداولة على ما يبدو أيام ريتشارد الملقب «بقلب الأسد».
بعد قراءتي صفحة كاملة من الخطبة أدركت أن الموضوع لم يعد خطبة جمعة! وأن الوضع أصبح كلاماً مشفراً وأرى في ملامح الحضور علامات الدهشة وعدم الفهم!
فقررت أن أتوقف وأطلب من الأخ المصري إقامة الصلاة! وفعلاً صلينا الجمعة وانتهى الموضوع بسلام، رغم أنه كان ينتابني شعور بأن أطلب من الحاضرين إعادة الصلاة لأنها لم تكن على الوجه المطلوب!
كانت تلك الخطبة أول وآخر خطبة جمعة ألقيها حتى هذا اليوم!