في تقرير أعدته قناة BBC البريطانية في يناير 2018 ورد أن أكثر من 3 مليارات شخص (40% من سكان العالم) يستخدمون برامج التواصل الاجتماعية، مثل تويتر وفيس بوك وواتس اب وسناب شات وانستقرام، وغيرها من التطبيقات.
في هذه التطبيقات تتداول كمية ضخمة جدا من المعلومات يوميا، فمستخدمو تويتر مثلا يكتبون نصف مليون تغريدة في الدقيقة الواحدة (720 مليون تغريدة في اليوم)، والعدد نفسه من الصور يتم عرضها وتداولها في سناب شات، بينما في واتس اب يتم تداول أكثر من 55 مليار رسالة يوميا بين أكثر من مليار شخص. هذه الرسائل والصور تحمل في طياتها كثيرا من المعلومات عن الأشخاص الذين قاموا بكتابتها أو إرسالها. والسؤال المهم، هل لهذه المعلومات التي يشاركها ويتداولها أو يكتبها المستخدمون أي تأثير عليهم؟
الجواب بالطبع نعم، ولنبدأ بالحديث عن تأثير هذه الوسائل على المستوى الوظيفي. أصبحت العديد من الشركات تلجأ لوسائل التواصل الاجتماعية للتعرف على المتقدمين لوظائفها بشكل أفضل. فالجهة التي تريد توظيفك لن تجد صعوبة في معرفة طريقة تفكيرك أو ما تفضله وما تهواه في مختلف المجالات لدرجة قد تصل أحيانا أكثر دقة من معرفة والديك أو إخوتك بك وبشخصيتك.
ففي دراسة أعدها موقع careerbuilder.com عام 2017 وعند سؤال أصحاب العمل عما إذا كانوا يقومون بفحص الحسابات الاجتماعية الخاصة بالمتقدمين للتوظيف، أجاب 70% منهم بنعم، وذلك بغية معرفة طبيعة الشخص المتقدم ومناسبته للوظيفة من عدمها. هذه النسبة في ازدياد كما أشارت إليه الدراسة، ومن الممكن أن يصبح أحد متطلبات التوظيف في المستقبل القريب إرفاق معرفاتك (حساباتك) في هذه الوسائل مع السيرة الذاتية، عندها يصح أن نقول «وعند تويتر الخبر اليقين».
هذا في مجال التوظيف، لكن ماذا عن تأثير هذه التطبيقات على المستوى الشخصي والنفسي للمستخدمين. المجلات العلمية والمؤتمرات تزخر بالدراسات البحثية التي تتطرق لتأثير هذه التطبيقات. ففي دراسة أجريت في جامعة بنسلفانيا الأمريكية عام 2016 عن مدى تأثير وسائل التواصل على النظرة للذات، وجد أن المشاركين في الدراسة عبروا عن مستوى منخفض للذات – أي إن مستوى رضاهم عن أنفسهم متدن – وذلك بسبب ما يشاهدونه في هذه التطبيقات من صور ومقاطع فيديو لأشخاص في لحظات سعادة وفرح في حين أنهم (والمقصود هنا المشاركون في الدراسة) على حسب تعبيرهم يفتقدون لمثل هذه اللحظات السعيدة. كما وجدت دراسات أخرى أن المحادثات والنقاشات وما يتم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعية تؤثر على معدل الاكتئاب والقلق والضغط النفسي والإحساس بالعزلة وتقلب المزاج وقلة النوم عند العديد من الأشخاص.
ففي دراسة تقيس مدى تأثير ما يكتب من مشاعر وأحاسيس وعبارات على المزاج العام لدى المستخدمين، وجد باحثون من جامعة كالفورينا عند دراستهم لـ 100 مليون حساب في تطبيق فيس بوك أن الشعور بمزاج جيد أو سيئ ينتشر بين المستخدمين ويتأثرون ببعضهم بناء على ما يقرؤونه من مشاعر وأحاسيس أو حتى أخبار مزعجة يكتبها الآخرون في صفحاتهم في تطبيق فيس بوك. لذلك لا تستغرب إن تعكر مزاجك في الصباح الباكر وأنت في طريقك للعمل بعد اطلاعك أو تصفحك لعدد من الحسابات أو الصفحات، ولن يجدي كوب قهوة ساخن ولا قطعة دونات طازجة نفعا في تعديل المزاج المعكر.
وعلى المستوى الأمني قد تتسبب المعلومات التي تضعها في برمج التواصل عن نفسك أو عائلتك أو حياتك بإلحاق الضرر بك وبالآخرين من حيث لا تعلم. فمعلومة قد تضعها على تويتر أو فيس بوك عن موعد رحلتك القادمة لقضاء إجازتك السنوية يمكن أن تقود إلى سرقة منزلك أو سيارتك. إذ إنه عند سؤال عدد من اللصوص السابقين، أقر 78% منهم بأن اللصوص يتابعون ويترصدون الأشخاص في مواقع التواصل بهدف سرقتهم.
ويمكن أن تقوم بعلمية بحث بسيطة عن نفسك في قوقل أو في مواقع خاصة بالبحث عن الأشخاص مثل mylife.com وpeekyou.com أو غيرهما لتدهش من كم المعلومات الشخصية المتوفرة عنك وعن الأماكن التي ترتادها بشكل مستمر والأشخاص المقربين منك.
إذن فوسائل التواصل الاجتماعية رغم ما تقدمه من خدمات وتسهيلات لمستخدميها، إلا أن لها تأثيرا ملاحظا قد يصل أحيانا إلى تشكيل خطورة على حياة الإنسان أو دخوله في أزمات نفسية أو عائلية قد تؤثر سلبا على حياته. لذلك لا بد من وجود وعي وإدراك ومسؤولية عند استخدام هذه التطبيقات، وكذلك معرفة ما يجب وضعه ومشاركته من معلومات مع الآخرين، وضبط كل ذلك عن طريق إعدادات الخصوصية والأمان في هذه البرامج.