المملكة العربية السعودية بلد شاسع المساحة، تجمع تضاريسه بين الصحاري والأودية والجبال الشاهقة
والسعوديون بالفطرة لديهم حب عميق لأرضهم، وانتماء منقطع النظير لها. حيث سار عليها آباؤهم وأجدادهم، ومن قبلهم سار عليها صفوة الخلق محمد – صلى الله عليه وسلم -، وقدم إليها خليل الله نبينا إبراهيم – عليه السلام – حيث أمره الله عز وجل ببناء بيته الحرام في مكة المكرمة، وجعلها سكنا لزوجته هاجر وابنه إسماعيل عليهما السلام. هذا البلد حباه الله ميزة لا توجد في أي مكان بالعالم، وهي وجود أقدس مدينتين لدى المسلمين مكة المكرمة والمدينة المنورة، والتي تهوي إليهما قلوب قرابة الملياري مسلم حول العالم. هاتان المدينتان فيهما آثار ومعالم عديدة وضاربة في عمق التاريخ.
والبشر بطبعهم يحبون ليس فقط تتبع ومعرفة أخبار الأمم السابقة بل أيضا كيف عاشت وماهي الصعوبات والتحديات التي كانت تواجههم آنذاك.
وسنويا يفد للمملكة ملايين المسلمين من كل أنحاء المعمورة قادمين إما لأداء مناسك الحج أو مناسك العمرة وربما الحج والعمرة معا.
هؤلاء المسلمون في تشوق لرؤية كل ما له علاقة بالرسول – صلى الله عليه وسلم – وكل ما له علاقة بالحرمين الشريفين، وهم متعطشون أيضا لمعرفة أي معلومة عن ذلك.
ومن هذا المنطلق قامت الجهات المسؤولة بجهود مميزة ورائعة في هذا الخصوص، وذلك ببناء متاحف تبين التراث الإسلامي، وبالخصوص تراث الحرمين لزوار المدينتين المقدستين، وهذا كله خير وعمل رائع.
ولكن ماذا لو يتم بناء متحف يسمى بمتحف الهجرة بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، تقوم الجهات المختصة باختيار أفضل موقع لهذا المتحف على طريق الهجرة السريع الذي يربط بين مكة والمدينة.
وقد يسأل أحدهم ويقول لماذا هذا الطريق بالتحديد؟ هذا الطريق قامت حكومة هذا البلد المعطاء ببنائه منذ عدة عقود، وذلك لتوفير أفضل الطرق التي تربط بين المدينتين المقدستين ويتراوح طوله حوالي 450 كلم تقريبا.
وهو طريق يخدم ليس فقط الحجاج والمعتمرين والزوار وإنما أي شخص يريد التنقل بين مكة والمدينة مرورا بالقرى الواقعة على هذا الطريق.
وبما أن هذا الطريق يسمى بطريق الهجرة ويستخدمه ملايين المسافرين سنويا أغلبهم من الحجاج والمعتمرين، سيكون من المناسب وجود متحف بمواصفات ومعايير عالية في منتصف الطريق بين مكة والمدينة يهدف لعدة أمور.
الهدف الأول يكون لكسر طول الطريق بين المدينة ومكة والذي يستغرق قرابة الأربع ساعات إلى خمس ساعات بالسيارة وإعطاء المسافرين استراحة من عناء الطريق، حيث يشاهد الحجاج والمعتمرون والزوار في هذا المتحف أهم ما يخص الحرمين من مقتنيات، ويستمعون ويشاهدون فيه كذلك أهم المعلومات عن الحرمين الشريفين منذ بنائهما وحتى هذا اليوم. ثاني الأهداف هو إعطاء هذا الطريق ميزة عن غيره من الطرق كونه الطريق الذي يربط أهم مدينتين لدى المسلمين وهو مسلك لكثير منهم حينما يفدون للحج والعمرة.
ثالث الأهداف هو زيادة الحركة التجارية على هذا الطريق من خلال توفير متحف متكامل مرتبط بمجموعة من الفنادق العالمية والمطاعم والأسواق والحدائق التي يتم بناؤها حوله وذلك لتوفير بيئة مناسبة لمرتادي المكان، حيث إن توفر هذه الخدمات من متحف وفنادق ومطاعم وأسواق وحدائق تترك أثرا أكثر من رائع لدى الحجاج والمعتمرين والزوار والمسافرين بشكل عام وتعطي طريق الهجرة السريع حياة وروحا وانتعاشا.
أيضا يمكن ربط ذلك بمنتزه وطني كبير يكون مجاورا للمتحف والفنادق والمطاعم والأسواق، بحيث يتم بناء هذا المنتزه الوطني بأفضل الوسائل والتقنيات الحديثة، مثل تلك المنتزهات الوطنية التي نشاهدها حول العالم.
قد يقول أحدهم ولكن ما الفائدة من وجود الفنادق العالمية في طريق سفر يكون الجميع فيه على عجلة من أمرهم ولا يريدون المكوث طويلا؟ في الحقيقة الفنادق على طريق السفر ليس بشرط أن تعمل بنظام التأجير اليومي، ولكن من الممكن بأن تعمل بنظام التأجير بالساعات، وهي ما تسمى عالميا بنظام الموتيلات، حيث يتمكن المسافر من حجز إحدى الغرف المريحة والمناسبة للراحة لمدة ساعة أو ساعتين أو حتى ست أو عشر ساعات، حيث يحجز كل شخص المدة التي تناسبه حتى وإن أراد أن يحجز يوما كاملا.
تلك الراحة التي أخذها المسافر في طريق السفر تجعله يصل لوجهته وهو في أفضل حال ومرتاح البال بدلا من أن يصل وهو في غاية التعب ولا يتمكن من عمل أي أمر بسبب إرهاق وإجهاد طريق السفر.
أغلب المسافرين في العالم اليوم يعانون من عدم وجود أمكان مريحة يمكنهم فيها أخذ قسط من الراحة على طرق السفر السريعة، لذا يضطرون إما لإكمال طريق السفر وهم منهكون ومتعبون وهذا قد يؤدي لحوادث مرورية خطيرة لا سمح الله أو يضطرون للوقوف على جوانب الطريق أو في إحدى المحطات وأخذ قسط من الراحة داخل سيارتهم حتى يتمكنوا من إكمال ومواصلة الطريق.
وجود متحف مميز على طريق الهجرة وبجواره الفنادق والمطاعم والأسواق وكذلك منتزه وطني سيكون له أثر جميل على طريق بحجم وأهمية هذا الطريق الحيوي والهام الذي يربط أهم مدينتين مقدستين بالعالم.
الحاج والمعتمر والزائر اليوم هم في شغف مستمر لمعرفة معالم المملكة بشكل أكبر وخلق أماكن مشوقة لهم ستجعل من رحلة الحج والعمرة أكثر متعة وفيها العديد من الذكريات الجميلة عن وطننا. ولعل هذه فكرة مبدئية وقد تكون بذرة لفكرة أكبر وأجمل عن نفس الموضوع.
أيضا لا يفوتني أن أذكر بأن مثل هذا المشروع سيكون وجهة سياحية جميلة للمواطنين والمقيمين من شتى مدن المملكة خصوصا إذا جاوره منتزه وطني وحدائق وأماكن ترفيه يتم بناؤها وتشييدها بطرق حديثة ومبتكرة وستكون أماكن يقصدونها مع عوائلهم وذويهم لقضاء أجمل الأوقات.
المملكة اليوم تسير بخطوات متسارعة في اتجاه الاستثمار في السياحة وتوفير الأماكن السياحية التي تعكس جمال هذا الوطن ومعالمه الرائعة والمميزة الموزعة في كل أنحائه، ومشروع من هذا النوع من شأنه ترك بصمة لا تنسى في ذاكرة كل من يزور المملكة سواء بقصد الحج والعمرة أو زيارة هذا الوطن بشكل عام.
ولعل وزارة الثقافة بقيادة سمو الأمير المبدع بدر بن عبدالله بن فرحان تتبنى مشروعا من هذا النوع وتنظر في إمكانية تطبيقه، بما أن المشروع يتمحور بشكل رئيس حول الإرث الثقافي والتاريخي لمكة المكرمة والمدينة المنورة وعرضها بأجمل صورة سواء عن طريق إنشاء متحف على طريق الهجرة السريع الرابط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة أو أي فكرة أخرى تراها الوزارة مناسبة. في الواقع، ما يحفزنا نحن شباب الوطن على التفكير في مشاريع من هذا النوع هي نظرة سمو ولي العهد – حفظه الله – الطموحة والمميزة والتي تأتي بدعم من خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، حيث تعلمنا من سمو ولي العهد بأن الطموح ليس له حد، وأن هذا الوطن يستحق الأفضل دائما، وهذا ما يعمل عليه الجميع بإذن الله.