من منا لا يستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي في هذا العصر. بدون أن نعود للإحصاءات والأرقام، نستطيع القول بأن الأغلب الآن يعيشون بين جدران العالم الافتراضي، ولكن يختلف عدد الساعات التي يعيشونها يوميا في الفضاء الرقمي، حيث البعض وصل مرحلة متقدمة من الإدمان أو لنقل التعود على وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت أصابعه تتحرك بشكل لا إرادي وتفتح الجوال بدون أن يشعر لتلقي نظرة على ما يتم تداوله في المنصات الرقمية، والبعض وهم قلة منقطعون عن هذا العالم الافتراضي، ومجموعة أخرى تقع في الوسط بين الغلو والزهد.

في الواقع، وحين يمعن الإنسان في الأمر وبشكل عميق سيصل لحقيقة واحدة هي أنه حتى وإن غاب عن تلك المنصات الرقمية لعدة أيام أو حتى عدة أسابيع أو عدة أشهر فلن يفوته الكثير، خاصة إن كان ما يتابعه أو يهتم فيه هو أخبار الناس والمشاهير.

أحيانا، نحتاج لما يسمى بـ«الصيام الالكتروني»، وهو الابتعاد عن تلك البرامج لمدة من الزمن قد تطول أو تقصر. ولكن ما الهدف من هذا الابتعاد أو الصيام الالكتروني؟

صحيا، ينصح الأطباء والمختصون بالتغذية بالابتعاد عن الطعام غير المفيد بشكل نهائي ومن أراد وأصر على تناول هذا النوع من الطعام قد يلجأ الأطباء والمختصون إلى تنبيهه بالمشاكل الصحية الممكن أن يتعرض لها مع التأكيد عليه بضرورة التقليل جدا من ذلك الطعام وضرورة ممارسة الرياضة بشكل مستمر. الهدف من ذلك هو مساعدة المريض على استعادة عافيته وصحته وتجنب الأمراض الممكن أن تصيبه في المستقبل – وكل ذلك في علم الله – ولكن هذا من باب الأخذ بالأسباب.

بشكل مشابه للوضع الصحي، يحتاج أفراد المجتمع في هذا الزمن «للصيام الالكتروني» أو «الرجيم الالكتروني» وذلك بهدف تصفية المخ والبال والذهن من ما يتم بثه بشكل يومي في منصات التواصل الاجتماعي. فكمية ما ينشر في تلك المنصات ضخم جدا لدرجة أنه يصعب على أي شخص متابعة ما يتم تداوله من معلومات وأخبار وصور وفيديوهات وملفات صوتية. تلك الكميات الضخمة الموجودة على منصات التواصل الاجتماعي ومحاولة البعض متابعتها وتتبعها تؤدي إلى ما يمكن وصفه بالإرهاق الذهني، والتي تؤدي لعدم مقدرة الشخص على التركيز والتشتت، ولعل المختصين في المجال السلوكي والنفسي أقدر في تشخيص تلك الحالات والتعامل معها.

ما أريد قوله هنا، بأنه مثلما نحرص على سلامة الأبدان والدخول في برامج الحمية والرجيم وانقطاعنا عن بعض الأطعمة والمشروبات وذلك بهدف تدارك صحتنا البدنية وعدم إصابتنا بالأمراض – بعد إرادة الله – يجب علينا كذلك الحرص على صحتنا النفسية وسلوكنا، بحيث نقلل أحيانا من التفاعل مع تلك البرامج أو إذا لزم الأمر الانقطاع عنها لفترات معينة ليس فقط بهدف التعافي النفسي والروحي والذهني وإنما كذلك بهدف الإنجاز والاستفادة من الأوقات وبناء مهارات أو اكتساب معلومات ومعرفة تعود علينا بالنفع والفائدة.

تأكد بأنه لن يفوتك شيء إن قللت من تلك البرامج أو انقطعت عنها لمدة من الزمن، ولن يسافر جميع البشر للمريخ ويتركوك لوحدك على كوكب الأرض، وإن قررت البشرية الهجرة من كوكب الأرض سيتصلون بك حينها ويأخذونك معهم حتما. وتأكد كذلك أنه حتى وإن قللت من التفاعل مع تلك البرامج أو انقطعت عنها لفترة زمنية فإنه مازال بإمكانك الحصول على ما تحرص عليه ويهمك من معلومات أو أخبار عن طريق زيارة المواقع المختصة على الإنترنت وقراءة ما تود قراءته أو الاطلاع عليه.

وأنا هنا لا أدعو لحذف لا تويتر ولا السناب ولا الواتس ولا غيرها من برامج التواصل الاجتماعي، ولكن هي رسالة لنفسي ولكل شخص ومسؤول عن عائلته للنظر في موضوع الصيام الالكتروني وتوعية الجيل الشاب بأهمية ذلك لما قد يكون له من دور في تعزيز الصحة النفسية والسلوك الإيجابي وبناء مهارات ومعلومات ومعرفة تفيد وترفع من قيمة الإنسان ليس فقط في نظر نفسه وإنما من قيمته في سوق العمل كذلك، حيث لو قضى الأشخاص المدمنون على المنصات الاجتماعية والذين يصرفون الساعات الطوال على تلك المنصات نصف تلك الساعات أو حتى ربعها في قراءة الكتب أو تعلم مهارات معينة لأصبحوا خبراء وعلماء فيما قرؤوه وتعلموه، وبالتالي ارتفعت قيمتهم في سوق العمل وكنتيجة ارتفع دخلهم المالي وتغيرت مكتسباتهم للأفضل.

لذلك أختم وأقول لا تحذف لا تويتر ولا السناب وإنما فكر في الصيام الالكتروني «إن احتجت لذلك»، وخذ به كفرصة للتطوير ومراجعة أهدافك وما تريد أن تصل إليه، والاعتدال في كل الأمور هو الأساس والمطلب دائما.

أترك تعليق