يحلم العديد من الشباب الطموح بالدراسة في الخارج إما على حسابهم الخاص أو عن طريق إحدى الجهات التي تتكفل بهم ماديا خلال سنوات الابتعاث. فسنوات الدراسة في الخارج خاصة عندما تكون لإكمال الماجستير والدكتوراه معا أو لإكمال البورد والزمالة معا هي سنوات طويلة يغادر فيها الإنسان بلده في هيئة وشكل وفكر ويعود لوطنه بهيئة وشكل وفكر مختلف تماما، حتى إنه قد يذهب وحيدا عازبا عند بداية بعثته ثم يعود بعائلة مكونة من ثلاث أشخاص أو أكثر عند انتهاء مرحلة الابتعاث.

سنوات الابتعاث تختلف مدتها من بلد لآخر، وغالبا ما تكون هذه السنوات أطول عند دراستك في أمريكا الشمالية مقارنة بأوروبا أو أستراليا بحكم طبيعة الدراسة المختلفة نوعا ما بين هذه الدول، وأقصد هنا دراسة الماجستير والدكتوراه.

خلال الدراسة في الخارج يمضي الإنسان زهرة شبابه هناك، فيمر خلال تلك السنوات بتجارب وخبرات ليست فقط في مجال الدراسة، ولكن أيضا في كافة مجالات الحياة المختلفة كطريقة التعامل مع الناس والنظام والتقنية والتعليم، والصحة، والثقافة، وغيرها. تلك التجارب عادة ما تكون مختلفة عن التي عاشها وشاهدها في بلده الأم، وهذا ما يساعد هذا الشخص في الاستفادة من دروس وتجارب إضافية في بيئة جديدة تكون له رصيد خبرة إضافيا قد يستفيد منه في تطوير بلده عند عودته إن أحسن تطبيق ما تعلمه بالطريقة الصحيحة.

خلال التسع سنوات التي قضيتها في كندا وبعد العديد من المواقف والتجارب التي عشناها أيام الابتعاث أقدم لنفسي أولا ثم لغيري مجموعة من النصائح لمن أراد الابتعاث أو لمن هو في بداية مرحلة الابتعاث، وهي كالتالي:

1 – لا تكن ملولا، فالمشوار أمامك طويل، ولكنه سيمضي بحول الله وتوفيقه. فقد تشعر عند أول وصولك لبلد الابتعاث بالهم عند حسابك لعدد السنوات المتبقية لك لكي تكمل دراستك وتعود إلى وطنك. انس ذلك كله وعش وكأنك في بلدك وبين أهلك لكي تستطيع التركيز في دراستك والنجاح في مهمتك، فيوما ما ستصل إلى طريق نهاية رحلة الابتعاث وتعود إلى وطنك وأهلك بكل فخر واعتزاز. ولو نظرت لمن سبقك من الطلاب الذين ابتعثوا، فستجد أنهم أنجزوا الرحلة وعادوا بعد سنوات طوال في الغربة، لذلك امض في طريقك وتوكل على الله وستنال ما تغربت من أجله بإذن الله.

2 – توقع أن يصيبك ما يسمى بالـ (Homesick) أو ما يسمى بالحنين للوطن والأهل، فهذا الشعور مر على كل من سبقوك وتغربوا للدراسة أو العمل. ولكن إياك أن تضعف لهذه المشاعر حتى وإن أتعبتك، تحمل واستعن بالله ورافق بالغربة الأشخاص المناسبين الذين يساعدونك في تجاوز هذه المشاعر ولا تعزل نفسك وتستلم. الحنين للوطن والأهل لن تستطيع نسيانه، لكن مع الانشغال بالدراسة والأبحاث سيضعف (أو ستتناسى) هذا الشعور ولن يعود مسيطرا عليك. شاهدت أشخاصا في سنوات الدراسة في الخارج لم يستطيعوا البقاء في الغربة لأكثر من 3 أشهر وذلك بسبب مشاعر الحنين للأهل التي لم تكن تفارقهم، حتى إنها أثرت على تحصليهم الدراسي مما اضطرهم للعودة لأرض الوطن بدون إنجاز ما تغربوا من أجله.

3 – ركز في مذاكرتك واجتهد في دراستك، فهذا ما تغربت من أجله، ولا تشغلك ملاهي الحياة الأخرى عن هدفك الأهم والأسمى الذي قطعت عشرات آلاف الكيلومترات من أجله؛ فوطنك وأهلك في انتظارك ويرون فيك المستقبل والأمل. كل من تغرب للدراسة وانشغل بغيرها عند وصوله لبلد الابتعاث لم يستطع أن ينجز وعاد بخفي حنين، هذا إن سلم من المشاكل وتبعاتها.

4 – ابتعد عن التجمعات أو المجموعات في بلد الابتعاث التي لا فائدة منها، فأنت في الخارج لهدف معين وهو الدراسة والدراسة فقط، ولست هنالك من أجل تشكيل مجموعات أو الانضمام إليها، فهذا نفق مظلم سيدخلك في تبعات قانونية أو نظامية أنت في غنى عنها، وسيؤثر حتما على تحصيلك الدراسي وقد ينتهي المطاف بك مطرودا من الجامعة.

أحيانا، في المساجد أو بعض تجمعات المسلمين أو العرب أو حتى غير المسلمين في الخارج، قد يتعاطف البعض مع بعض الأشخاص، ولكنك لا تعرف ماهي خلفياتهم ولا ماضيهم ولا نواياهم أو أهدافهم. فكن كيسا فطنا، وكن الشخص الصالح الذي يمثل بلده وأهله خير تمثيل، واستشر السفارة والملحقية في أي أمر قد يشكل عليك، فحكومتنا حفظها الله قد وفرت كافة أنواع المساعدة للمبتعثين، سواء القانونية، أو المالية، أو التعليمية، أو الصحية أو غيرها.

5 – ستجد في الخارج كافة أنواع الأفكار والأيديولوجيا، وستجد من يستميت من أجل أن يقنعك بأفكاره ومفاهيمه، وستلاحظ بأن بعض هؤلاء لديه أسلوب جميل في الحوار والإقناع، ولكن رغم ذلك كن على حذر وتجنب النقاش في أمور لا فائدة منها، بل بعضها قد تسبب تنافرا وشحناء مثل الآراء السياسية أو بعض الأفكار الاجتماعية.

6 – لا تساهم ماليا مع أحد إلا عبر القنوات الرسمية المعتمدة في البلد الذي تدرس به. كلنا نتعاطف مع العديد من الشخصيات أو الحالات الإنسانية أو الأهداف النبيلة، ولكن الأمور أصبحت في غاية التعقيد والمتابعة من الجهات الرقابية والنظامية في كل دول العالم، ولذلك كن حذرا عندما تريد أن تتبرع أو تساعد ماليا، وافعل ذلك من خلال الطرق النظامية فقط.

7 – لا تنس مبادئك وقيمك، أنت رجل مسلم وعربي ولك قيم ومبادئ في غاية الروعة والنبل. لا تأخذ من بلد الابتعاث كل الأفكار، فبعضها لا يصلح لك ولا لدينك وهويتك. وإن أشكل عليك أمر ما بخصوص أحد الأفكار فاستشر من تثق بهم من أبناء جلدتك من ذوي العقل والحكمة والاتزان، ولا تترك نفسك متأرجحا بين الأفكار والتيارات المختلفة. فبعض الأفكار في الغرب تصل لدرجة الإلحاد، لذلك توكل على الله وتجنب كل ما يؤذيك ويلوث أفكارك.

8 – استمتع برحلتك. بعض المبتعثين يصل لبلد الابتعاث ويغلق على نفسه الأبواب فلا يرى إلا مكتبه بالجامعة ومنزله، ويحاول أن ينجز الدراسة في أقصر وقت ممكن وبشكل سريع جدا، وهذا من حيث المنطق لا بأس به، لكن لا تعزل نفسك لدرجة أنك لا ترى جمال البلد الذي تدرس به، تحتاج من حين لآخر بأن ترفه عن نفسك وعن أهلك وأطفالك بالرحلات والأنشطة الجميلة في وقت الإجازات الرسمية في بلد الابتعاث أو في أيام آخر الأسبوع (الويكند)، هذا النوع من الترفيه المعقول سيجدد نشاطك للدراسة والتحصيل المعرفي وسيسعد من يرافقك بالغربة ويجنبهم الملل.

9 – حاول أن تشارك في أنشطة الجامعة التي تدرس بها، هذا سيكسبك خبرات جميلة أكاديمية وطلابية، وسيجعل مجتمع الجامعة هناك يعرف قيمة الطالب السعودي ومدى اهتمامه ونشاطه واحترافيته، هذا الأمر له مردود إيجابي ليس عليك فقط، ولكن أيضا في تحسين صورة الطالب السعودي وهذا سيساعد في قبول عدد إضافي من الطلبة السعوديين في المستقبل، وذلك لأن الجامعة أصبح لديها معرفة بنوعية الطالب السعودي.

10 – لا تقلق إذا لم تستطع الحديث باللغة الإنجليزية بشكل مشابه لأهل البلد الذي تدرس به، فالهدف هو أن تكون مفهوما وواضحا عند حديثك باللغة الإنجليزية وليس أن تتحدث بلهجتهم. العديد من أعضاء هيئة التدريس وحتى العمداء في الكليات ومدراء بعض الشركات هناك أصولهم من خارج دول الابتعاث مثل الهند والصين وباكستان وبعض الدول العربية وأوروبا وغيرها، وعند حديثهم باللغة الإنجليزية تجد أنهم لا يتقنون اللغة مثل أهل البلد الأصليين، فهذا بالنسبة لهم غير مهم، فالوضوح وإيصال الرسالة بالطريقة الصحيحة هو المطلوب منك.

11 – دافع عن بلدك ولا تقبل أن تمس سمعة بلدك بأذى. لكن كن حكيما في هذا الموضوع، فلا ترد على كل جاهل أو حاقد يريد نقاشك أو إثارة غضبك، فمثل هؤلاء الناس تجاهلهم أفضل من الرد عليهم والنقاش معهم عديم الفائدة لأنهم لا يريدون الحقيقة، ولكن الحقد أعمى بصائرهم، رد ودافع عن بلدك بالمنطق والأسلوب الحسن والجميل والحجة الواضحة والشخصية القوية والواثقة مع من يريد الفائدة واستيضاح بعض النقاط.

12 – لا تستخف بثقافة أهل البلد الذي تدرس به، أو تقلل منها، فذلك سيوقعك في مشاكل معهم وأيضا لا يعكس احترامك لهم. احترم ثقافة من تسكن معهم حتى وإن خالفت ثقافتك، فاللطافة والأسلوب الحسن يجعلهم يقبلونك ويحبون تواجدك. وتجنب أن تكون فظا معهم، فأنت تترك انطباعا مهما عن بلدك وثقافتك ودينك.

13 – شارك في الأعمال التطوعية بالجامعة أو البلد الذي تدرس به ولكن بعد أخذ رأي الملحقية أو السفارة خصوصا في الأعمال التطوعية التي تكون خارج الجامعة. المشاركة بالأعمال التطوعية تزيد من احترام أهل ذلك البلد لوطننا وتعزز من صورتنا الجيدة أمام تلك المجتمعات، وأنت كسفير للوطن خير من يمثلنا في هذه الأمور.

14 – دون تجاربك وذكرياتك. أغلبنا لا توجد لديه مذكرات يدون فيها ذكريات الغربة والدراسة بالخارج، ولكني أنصحك وبشدة بتخصيص مذكرة تكتب فيها بعض ذكريات الغربة الجميلة والمواقف التي مررت بها، ستجدها قطعة أثرية رائعة جدا عندما تقرأ هذه الذكريات بعد مضي 10 سنوات أو 20 سنة من عودتك من الابتعاث، وستقرؤها لأهلك وأبنائك أو حتى أصدقائك وأنت في غاية السعادة وقد يخالط ذلك كله بعض الدموع حينما تتذكر مواقف معينة أثرت فيك.

أترك تعليق