صالح شاب حديث التخرج من قسم علوم الحاسب الآلي بالجامعة، حيث لم يمض على تخرجه سوى عدة أشهر.
وكمثل سائر الخريجين بدأ صالح رحلة البحث عن وظيفة تناسب مجال تخصصه، سواء أكانت في القطاع الحكومي أو الخاص.
بعد عدة أشهر من التقديم على عشرات الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص اصطدم صالح بعقبة شرط سنوات الخبرة، حيث إن بعض الوظائف تطلب أحيانا سنوات خبرة تبدأ من سنتين وتصل في بعض الوظائف إلى 7 أو حتى 10 سنوات، ولهذا السبب تم استبعاد صالح من قائمة المنافسة على هذه الوظائف التي لطالما حلم بها.
من قصة صالح، والتي يتشارك معه فيها العديد من الخريجين من الجامعات والكليات والمعاهد سنويا، نستنتج أن أغلب الجهات الموظفة أصبحت اليوم تشترط الخبرة عند التقديم عليها، وهذا ما لا يملكه أغلب حديثي التخرج بطبيعة الحال.
مناهج التعليم الهندسي والتقني والمعلوماتي الحالية هي برامج تقليدية تعتمد على تدريس المواد بشقيها النظري والعملي للطالب داخل أسوار الجامعة، ويتم تأجيل التدريب حتى آخر ترم دراسي للطالب، أو حتى فصل الصيف في السنة قبل الأخيرة أو الأخيرة من برنامج البكالوريوس. خلال فترة التدريب الوجيزة هذه يقوم الطالب بإكمال ساعات تدريب قليلة ومعدودة في إحدى المنشآت خارج الجامعة، وغالبا ما تكون ساعات التدريب هذه غير كافية لإكساب الطالب الخبرة العملية والمهارات المطلوبة لسوق العمل.
هذه الطريقة التقليدية لبناء المناهج التعليمية للتخصصات الهندسية والتقنية والمعلوماتية تحتاج إلى إعادة نظر وتطوير كبير يساعد في تخريج طلبة أكفاء قادرين على تلبية متطلبات سوق العمل، والانضمام لفرق العمل حال تخرجهم والتحاقهم بالوظيفة.
ما نحتاجه اليوم هو خلق وإيجاد برامج بكالوريوس تدمج ما بين التعليم النظري والعملي داخل الجامعة، والتدريب خارج الجامعة بوقت مبكر من برنامج البكالوريوس، والابتعاد عن الطريقة التقليدية في التعليم، والتي يتم فيها تأجيل التدريب حتى آخر ترم دراسي أو آخر فصل صيفي للطالب في الجامعة، كما هو واقع الحال الآن في العديد من الجامعات والكليات والمعاهد.
هذا الدمج المبكر ما بين التعليم النظري والعملي داخل الجامعة والتدريب خارج الجامعة في وقت مبكر من برنامج البكالوريوس سيكسب الطالب خبرة عملية كبيرة عند التخرج، تنفعه في إيجاد الوظيفة المناسبة حال تخرجه من الجامعة. في هذا النوع من برامج البكالوريوس، والتي تدمج ما بين التعليم والتدريب مبكرا يتم تخصيص أول أربعة أترام دراسية في الجامعة لتأسيس الطالب علميا في التخصص الذي التحق به.
يتدرج الطالب خلال الأترام الأولى في مواد التخصص من المبادئ والأساسيات وحتى المواضيع المتقدمة. يلي ذلك ترم تدريبي أول خارج الجامعة يقوم الطالب خلاله بتطبيق ما تعلم من علوم ومفاهيم في الجامعة، واكتساب خبرة عملية، والاحتكاك بفرق العمل التي تتعامل مع مشاكل واقعية.
بعد انقضاء الترم التدريبي الأول يعود الطالب لمقاعد الدراسة داخل أسوار الجامعة، وذلك للاستزادة من العلم والمعرفة، ومراجعة وتقييم تجربة التدريب الأولى التي خاضها، ومناقشة كل ذلك مع أعضاء الكادر الأكاديمي الذين سيقومون بإرشاد الطالب ولفت انتباهه لنقاط الضعف في تجربة التدريب الأولى والإشادة بنقاط القوة إن وجدت.
بعد ذلك يستمر برنامج البكالوريوس بين ترم تدريبي خارج الجامعة وترم أكاديمي آخر يليه يتم إلزام الطالب فيه بالحضور للجامعة لغرض التعلم ومراجعة التدريب وهكذا حتى يكمل الطالب مرحلة البكالوريوس بشكل كامل.
هذه الدمج المبكر والمستمر خلال مرحلة البكالوريوس ما بين التعليم والتدريب سيجعل الطالب يكمل عامين أو ثلاثة أعوام دراسية داخل الجامعة ينهل فيها من العلم والمعرفة من أساتذة وعلماء متخصصين، وعاما ونصف العام إلى عامين آخرين من التدريب خارج الجامعة مع فِرق عمل تقوم بحل مشاكل يومية وتطبق النظريات والمفاهيم التي تم تدريسها بالجامعة بشكل عملي على أرض الواقع.
متطلبات سوق العمل اليوم تختلف عما كانت عليه قبل 20 أو 30 عاما، فالعالم اليوم يشهد تطورات وتغيرات متسارعة في كافة المجالات، ومنها بكل تأكيد المجال الهندسي والتقني والمعلوماتي، وأصحاب العمل اليوم يبحثون عن الخريج الجاهز للعمل، والذي يملك الخبرة والمهارات اللازمة ولا يكلف ماديا من ناحية التدريب والتطوير، ولهذا السبب لا بد أن تكون مخرجات الجامعات تلبي تطلعات سوق العمل ومتطلباته واحتياجاته، وذلك بتوفير طلبة متسلحين، ليس فقط بسلاح العلم والمعرفة، وإنما بخبرة عملية في سوق العمل لا تقل عن سنتين، تجعلهم محل استقطاب مباشر من أغلب جهات التوظيف.