غالباً، لا يوجد شخص متعلم على وجه الارض اليوم لم يسمع بإسم شركة قوقل (Google). فهذا الاسم هو من اكثر الاسماء تردداً ليس فقط بين أروقة الجامعات والمؤسسات التعليمية، ولكنه اصبح الاكثر شيوعاً ايضاً في البيوت والمجالس الخاصة والعامة. عند اي حديث او نقاش او الحاجة لأي معلومة يسارع الجميع لاستخدام جوالاتهم او اجهزتهم المحمولة او الشخصية وفتح صفحة محرك البحث قوقل وكتابة ما يحتاجونه او يبحثون عنه، ليحصلوا بشكل فوري على عدد ضخم جداً وغير منتهي من نتائج البحث التي تساعدهم في الحصول على ما يريدون تماماً. ولتعرف لأي درجة اصبح هذا الاسم معروف، تم اضافته لقاموس اللغة الانلجيزية، لذلك ستجد الان عند بحثك عن معنى كلمة قوقل في القاموس بأنها تعني البحث على الانترنت.

طبعاً، شركة قوقل (Google) ليست هي الوحيدة التي تملك محرك بحث يساعد المستخدمين والباحثين في الوصول للمعلومات المطلوبة. يوجد عدد من محركات البحث الأخرى سواءً باللغة الانجليزية مثل محرك البحث بينق (Bing) ومحرك البحث ياهو (Yahoo) او محرك البحث الروسي يندكس (Yandex) او محرك البحث الصيني بايدو (Baidu) وغيرها. ولكن ما يميز محرك البحث قوقل انه هو محرك البحث الاكثر استخداماً والأكثر شيوعاً على مستوى العالم، حيث تشير آخر الاحصاءات بأن قوقل يستحوذ على نسبة تفوق الـ 83% من مستخدمي محركات البحث عالمياً. وهذا مايجعله محط اهتمام الجميع والوجهه المفضلة لدى العديد من المستخدمين.

ولكن هل سبق وان سألت نفسك: من أين أتى اسم قوقل (Google) ؟ وماهو سبب اختيار مؤسسي قوقل: لاري بيج (Larry Page) و سيرجي برين (Sergey Brin) لهذا الاسم على وجه التحديد؟

قبل معرفة ماذا يعني اسم قوقل؟ ولما تم اختيار اسم قوقل تحديداً، لنأخذ لمحة تاريخية عن سبب قيام هذه الشركة العملاقة وكيف كانت بدايتها. إليكم القصة، ولكن قبل المتابعة، جهز كوب القهوة الساخن، ثم أكمل قراءة المقال حتى النهاية.

كانت البداية في جامعة ستانفورد الامريكية والواقعة في مدينة ستانفورد في ولاية كالفورنيا، أقصى غرب الولايات المتحدة. تقابل لاري بيج و سيرجي برين لأول مره في عام 1995م. كان سيرجي برين طالب دكتوراة في الجامعة أنذاك، وتم تكليفه بأخذ لاري بيج في جوله تعريفية على مرافق الجامعة كون لاري بيج طالب جديد في الجامعة، وحسبما تذكر المصادر بأن اللقاء الاول بينهما لم يكن جيداً وكان هنالك الكثير من الخلاف بينهما حينها.

عموماً، اصبحا جميعاً زملاء في تخصص علوم الحاسب الآلي في الجامعة، واثمر عملهما المشترك على عدة مشاريع عن بناء خوارزم مميز يساعد في تصنيف وترتيب مواقع الانترنت، والذي أطلقا عليه اسم بيج رانك (PageRank)، وكانت فكرته الرئيسية تتمحور حول المفهوم التالي: اي موقع الكتروني يحصل على أكبر عدد من الراوبط من مواقع موثوقة يتم اعطائه ترتيب اعلى في صفحة نتائج البحث. ولأقرب لك المسألة بشكل أفضل، تخيل أن لديك ثلاث اشخاص متقدمين لوظيفة قمت بالإعلان عنها، وقررت انت كجهة توظيف اعطاء الاولوية بالتوظيف للشخص الذي لديه اكبر عدد من التزكيات العلمية والعملية من علماء ثقات. ولو فرضنا بأن المتقدم الاول على الوظيفة حاصل على 3 تزكيات والمتقدم الثاني حاصل على 6 تزكيات والمتقدم الثالث حاصل على تزكيتين فقط، فمن من المتقدمين تعتقد بأنه سيكون المتقدم صاحب الحظ الاوفر في التوظيف؟ بناءً على شرط المفاضلة، سيكون المتقدم الثاني هو صاحب الحظ الاوفر في التوظيف، وذلك بسبب أنه حاصل على عدد 6 تزكيات من علماء ثقات. هذا هو نفس السيناريو مع خوارزم البيج رانك (PageRank)، والذي يعطي الأولوية الاعلى في تصنيف المواقع في صفحة نتائج البحث للمواقع الحاصلة على اكبر عدد من الروابط من المواقع الاخرى ذات المصداقية.

على أي حال، اعطى خوارزم البيج رانك (PageRank) نتائج بحث افضل من الخوارزميات المطبقة في ذلك الوقت من الشركات الأخرى، ولفت الأضواء ليس فقط داخل البيئة الأكاديمية وإنما كذلك داخل البيئة الصناعية المهتمة في مجال محركات البحث وتصنيف المواقع الالكترونية وترتيبها، وكان ذلك في عامي 1996 و 1997م، ومن هنا أتت فكرة تأسيس شركة تعمل على ترتيب وتصنيف مواقع الانترنت وتم بالفعل اطلاق الشركة التي تم تسميتها “قوقل Google” في عام 1998م.

وها نحن نعود للسؤال الذي طرحناه في عناون المقال، لماذا تم اختيار اسم قوقل بالتحديد دون غيره من الاسماء؟ 

في الحقيقة،  عندما فكر لاري و سيرجي في ترتيب وتصنيف الملايين من صفحات الانترنت، اختارا الاسم (Googol) وليس (Google) – لاحظ الفرق بين الاسمين – وهو مصطلح في الرياضيات (Googol) يعني رقم واحد وعن يمينه 100 صفر، وهذا يشير لرقم ضخم جداً لا يمكن تخيله – وهو مصطلح قدمه الطفل ميلتون سيروتا (Milton Sirotta) في عام 1938م، والذي كان حينها ابن التسع اعوام، وهو ابن أخ عالم الرياضيات الأمريكي الشهير ادوارد كاسنر (Edward Kasner). حينها، سأل عالم الرياضيات ادوارد الابن ميلتون ماهو المصطلح المناسب الذي يمكن اطلاقه على رقم تخيلي يبدأ برقم واحد (1) وعن يمنيه 100 صفر، فأجاب الطفل بعبارة (Googol) وكانت اجابته بطريقة فكاهية. ولكن بعد ذلك استخدم عالم الرياضيات أدوارد هذا المصطلح (Googol) لوصف هذا الرقم الضخم في كتابه المشترك مع جيمس نيومان (James Newman) والذي عنوناه بـ (Mathematics and the Imagination) والذي يعني الرياضيات والخيال.

كان الهدف من استخدام لاري بيج وسيرجي برين لاسم قوقل (Googol) هو محاولتهم إيجاد محرك بحث قادر على التعامل مع كمية البيانات الضخمة الموجودة على ملايين صفحات الانترنت، حيث يعلم المختصين في مجال الحاسب الآلي بأن كمية البيانات الموجودة على الانترنت لا حد لها اذا جاز التعبير بسبب ضخامتها. لذلك تم اختيار هذا الاسم لتوافقه مع ما كان يطمح له لاري بيج و سيرجي برين من مقدرة محرك البحث الخاص بهم (قوقل Google) من التعامل مع كمية بيانات مهوله جداً وفهرستها وتصنيفها بما يتوافق مع ما يبحث عنه المستخدم ويلبي حاجته. لكن تم تحوير وتعديل الاسم ليصبح (Google) بدلاً من (Googol) وتم اعتماده اسم رسمي للشركة منذ ذلك الحين. وهذا السبب الحقيقي خلف اختيارهم لهذا الاسم الغريب والنادر والغير دراج في ذلك الوقت.

لمحات سريعة عن قوقل: 
قوقل هي شركة أمريكية كانت بدايتها تركز فقط على تنصيف وترتيب مواقع الانترنت، ولكن اليوم هي شركة ضخمة توسعت لتقدم خدمات مختلفة أخرى، كخدمة البريد الالكتروني (Gmail)، وخدمة تحديد المواقع (Google Maps) و خدمة ملفات قوقل (Google Docs) وغيرها العديد والعديد من البرامج المتنوعة والمختلفة والتي يستخدمها مئات الملايين من الاشخاص حول العالم. مع العلم بأن أول دعم مالي حصل عليه لاري بيج وسيرجي برين كان مبلغ 100 ألف دولار مقدمة من آندي بيكتولشيم (Andy Bechtolsheim) المؤسس الشريك لشركة صن مايكروسيستم الامريكية الشهيرة، وكان هذا الدعم المالي بمثابة سفينة النجاة التي ضخت بعض المال الذي كانت تحتاجه الشركة للقيام بأعمالها الضرورية والتوسع في التطوير وتحسين جودة محرك البحث.

قد تستغرب عزيزي القارئ بأن لاري بيج و سيرجي برين حاولا في عام 1999م بيع شركة قوقل (Google) لشركة اكسايت (Excite) الامريكية بمبلغ مليون دولار فقط، بل تم تخفيض المبلغ إلى 750 ألف دولار بعد عدة مفاوضات مع ادارة شركة اكسايت، ولكن المدير التنفيذي لشركة اكسايت جورج بيل (George Bell) في ذلك الوقت رفض صفقة الشراء بحجة انه لا يرى منها فائدة لشركة اكسايت. واليوم، ينظر الاقتصاديون بأن ذلك القرار لم يكن موفقاً حيث فوت ذلك فرصة ذهبية على شركة اكسايت لو تمت الصفقة واستحوذت على قوقل التي تساوي قيمتها حالياً أكثر من ترليون دولار كواحدة من اغنى الشركات التقنية على مر العصور، ولكن السيد جورج بيل لم يعلم بما ستؤول له الامور وحال شركة قوقل في السنوات التالية. ولعل افضل وصف وحال ينطبق على قرار جورج بيل في ذلك الوقت هو الآية القرانية الكريمة رقم 188 في سورة الاعراف: (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ).

 

أترك تعليق