دائماً ما يحصل لبس في فهم الفرق بين التعليم والتدريب لدى الناس، فتجد بعض الاشخاص يطلق على عملية التدريب تعليم وعلى علمية التعليم تدريب. هذا اللبس في الفهم قد يجعل البعض لا يعرف ما هو الهدف من دخوله في دورة معينة او تسجيله لحضور محاضرة ما، هل قام بذلك لغرض التعليم ام التدريب؟
هذا المقال سيساعدك على التفريق بين المصطلحين بشكل واضح، وسأترك شرح الفرق بين التعليم والتعلم لآخر المقال.
لنبدأ أولا بمصطلح ”التعليم“ وماذا يقصد به. التعليم هو عملية نقل المعرفة من المعلم إلى الطالب. والمعرفة بأبسط صورها كما يعرفها العلماء هي الادراك والوعي بالموضوع محل الدراسة. على سبيل المثال، عندما يقوم المعلم بتعليم الطلبة عن موضوع ما في الرياضيات، فإنه يقوم بتدرسيهم هذا الموضوع لكي يصبحوا مدركين للموضوع وعلى وعي بكل ما يتعلق به، وبهذا يصبح الطالب على دراية بالموضوع محل الدرس والنقاش. مع الوقت وتعدد المواضيع التي يدرسها الطالب يبني قاعدة متينة من المعلومات المفيدة التي توسع مداركه وتجعله ينتقل من مرحلة الجهل بالموضوع إلى مرحلة من المعرفة تختلف هذه المرحلة بناءً على المعلومات التي أتم دراستها.
التعليم دائماً ما يعزز لدى الطلبة القدرة على التفكير المنطقي والاستنتاج وحل المشكلات. والتعليم بشكل عام يستغرق وقت طويل قد يمتد لسنوات، حيث يبدأ الطالب مشواره في تلقي اساسيات العلم ومع مرور الأسابيع والأشهر والسنوات يتم اعطاءه المزيد من المعلومات التي تزيد حصيلته المعرفية في التخصص الذي يقوم بدراسته وتعلمه. مثلاً، نجد ان معرفة الطالب لمبادئ الرياضيات والحساب في الصف الاول الابتدائي تختلف عن المعلومات التي حصل عليها عندما أصبح في الصف الثالث الثانوي. لذلك نجد ان الطالب لديه معلومات عميقة عن الرياضات اكتسبها خلال كل تلك السنوات التي قضاها على مقاعد الدراسة من الصف الاول الابتدائي وتدرج في تعلم مواضيع الرياضيات حتى الصف الثالث الثانوي. كل ذلك تم عن طريق بناء منهج منظم ومترابط وباهداف واضحه من قبل الجهة التعليمية المسؤولة.
كما ان التعليم هو هدف استراتيجي بعيد المدى، ونتائجه احياناً لا يمكن قياسها في مدة زمنية قصيرة مثل عدة ايام او عدة اسابيع. لو عدنا لمثال تعليم الرياضيات للطلاب، لكي أستطيع أن أبني طالباً متمكن في الرياضيات، لا يمكن أن يحدث ذلك خلال عدة أيام او عدة أسابيع، بل تحتاج أحياناً لعدة أشهر او عدة سنوات. وهذا امر طبيعي، كون المعرفة تُبنى بشكل تراكمي وليس بشكل سريع وعشوائي. لذلك نجد ان الحكومات حول العالم ممثلة في وزارات التعليم والجامعات تضع خطط تعليمية طويلة المدى تقوم على استراتيجيات هدفها تخريج جيل لديه مستوى جيد من المعرفة في العلوم والمعارف المختلفة.
اما مصطلح ”التدريب“ فهو يحمل معنى مختلف عن معنى مصطلح ”التعليم“. التدريب هو التركيز على بناء مهارة ما او اكتساب سلوك ما في تخصص معين في مدة زمنية محددة. اذاً يتضح لنا من هذا التعريف الموجز بأنه لا يتم التركيز على اكتساب المعرفة النظرية في التدريب وانما الجهد الاكبر ينصب على بناء المهارة التي يحتاجها الطالب او اكستاب او تطوير السلوك الذي يبحث عنه خلال مدة زمنية محددة مسبقاً. وهذا ما يمكن وصفه بالتركيز على الجانب العملي فقط، بينا يركز التعليم على الجانب النظري من خلال اكساب الطالب كمية من المعلومات في المجال المراد كم ذكرنا ذلك سابقاً.
التدريب بطبيعة الحال ان تمت مقارنته بالتعليم فهو غالباً لا يتطلب الوقت الطويل الذي قد يحتاجه التعليم. لذلك نجد ان اغلب برامج التدريب هي برامج قصيرة المدى تمتد من عدة ايام إلى عدة اسابيع او أشهر [ونادراً ما يمتد التدريب لسنوات الا في التخصصات الصحية وخصوصاً الطب]، خلال هذه المدة القصيرة نوعاً ما يأخذ الطالب دروساً عملية تطبيقية ترفع من مستوى مهاراته في التخصص محل الاهتمام او تكسبه تغيير وتحسناً في السلوك في المجال الذي يتطلع إليه، وهذا هو الهدف الحقيقي من التدريب [تعلم مهارة او تغيير وتحسين سلوك معين في مدة زمنية محددة]. ولكن لا يمكن للتدريب ان يتم بدون وجود مرحلة تعليم تسبقه. فالتعليم هو مرحلة مهمة تأتي قبل مرحلة التدريب. ففي التعليم يدرس الطالب مختلف النظريات والمفاهيم والأساسيات في العلم، ومن ثم تأتي مرحلة التدريب و تطبيق ما تعلمه في مرحلة التعليم.
في الحقيقة، التعليم يهدف إلى احداث تغيير طويل الامد يمتد مع الشخص لسنوات عديدة من حياته، لهذا نجد ان الدول تطلق على وزارتها المسؤولة عن هذا الامر ”وزارة التعليم“ وليس ”وزارة التدريب“، حيث ان التعليم يخلق جيل متعلم لديه معرفة ومهارات في المنطق والتفكير وحل المشكلات متعددة ومرتبطه ببعضها البعض تساعد الامم على التطور والنمو والازدهار. اما التدريب فيأتي كمرحلة ثانية تعقب مرحلة التعليم، حيث يمكن أخذ هؤلاء الطلبة وتدريبهم على مهارات وسلوكيات محددة يحتاجها سوق العمل او الجهة الموظفة وذلك للقيام بالاعمال المطلوبة. واحياناً يوصف التدريب بأنه جزء من مرحلة التعليم يتم فيها التركيز على التطبيق فقط.
بعد الحديث عن الفرق بين التعليم والتدريب، للنتقل للحديث عن الفرق بين التعليم والتعلم. الكلمتان متشابهتان جداً لدرجة أن الفرق ظاهرياً بينهما هو ”حرف الياء فقط“؟ وهذا ما يجعل البعض قد يستخدم كلمة ”تعلم“ ويكون قاصداً ”التعليم“ والعكس صحيح كذلك، أي يستخدم كلمة ”تعليم“ ويقصد ”التعلم“، ولكن في الحقيقة تعبر هاتان الكلمتان عن مفهوم مختلف. فالتعليم هو عملية غير ذاتية يتم فيها تقديم المعرفة والمعلومات عن طريق شخص ما [المعلم]، حيث يقوم هذا الشخص بإيصال تلك المعرفة والمعلومات لطرف آخر [الطالب]. لذلك العملية التعليمية يوجد فيها اكثر من طرف [طرف يقوم بإعطاء الدروس وتقديم المحتوى (المعلم) وطرف آخر مستقبل للمعرفة ويتلقى المعرفة والمعلومات (الطالب)]، بينما التعلم هو عملية قد تكون ذاتية [يقوم فيها الشخص بنفسه] او غير ذاتية [عن طريق شخص آخر] يتم فيها اكتساب المعرفة والمعلومات. ما يجعل التعلم مختلف عن التعليم هو ان التعلم غير مرتبط بزمن او مكان معين او بيئة معينة، فالانسان منذ لحظة ولادته وحتى مماته هو في مرحلة تعلم، حيث يتعلم من خلال التجارب التي يمر بها ومن مواقف الحياة ما يجعله قادراً على العيش وممارسة اموره الحياتية.
التعلم هو امر قد يحدث بشكل غير مقصود، حيث ان مجرد حدوث امر ما في حياتك او مرورك بتجربة سعيدة كانت ام حزينة قد تتعلم منها وهذا ما يسمى بعلمية ”التعلم“ وليس التعليم، في تلك التجارب غالباً لا يوجد شخص قام بتعليمك وانما تعلمت انت ذاتياً من تلك التجربة واخذت منها الدروس والخبرات التي ستجعل ليس فقط منظورك للامور القادمة في حياتك مختلف بل كذلك طريقة تعاملك مختلفة. ايضاً، عندما تقرأ موضوع ما وتبحث عنه بنفسك فإنك تقوم بعملية ”التعلم“ ، وهذا بسبب انه لا يوجد من قام بتعليمك بل انت من تعلم ذاتياً وطور من نفسه. وبشكل عام، التعلم لا يتطلب شروطاً معينة لكي يقع او يحدث، ولكن التعليم له شروطه وله متطلباته الخاصة، فلا يمكن ان يتم التعليم بدون وجود المعلم واحياناً كذلك لابد من وجود كامل البيئة التعليمية من اماكن دراسة ومواد وغيرها من الامور الضرورية للعملية التعليمية لكي تتم على اكمل وجه.
التعليم اليوم ليس هو التعليم قبل 50 او 100 عام، خلال العقود الماضية تطور التعليم والتدريب وطرأ الكثير من التغيير على مفهوم التعلم. سابقاً، كان المعلم هو المحور الاهم في العملية التعليمية، حيث ان غياب المعلم يعني فشل المنظومة التعليمية بالكامل، ولكن اليوم ومع التقدم التقني والتطور في طرق التعليم أصبح دور المعلم تكاملي وليس محوري، بحيث يشكل المعلم احد اضلاع العملية التعليمية و أحد مقدمي المعرفة، واصبحت التقنية ضلع مهم في منطومة التعليم ومزود معرفي هام كذلك. هذا الدخول للتقنية جعل عملية التعلم اسهل بكثير مما كان عليه الوضع في عصر الاباء والاجداد، حيث يمكن للطالب اليوم بأن يصبح خبيراً في احدى المجالات بدون ان يدرس على اي معلم.
من الاهمية بمكان ان تصمم المناهج اليوم خصوصاً المناهج الجامعية بطريقة تجمع بين التعليم والتدريب وتأخذ في الاعتبار الآلية الافضل للتعلم. فالتعليم بناءً على ما تم شرحه في هذا المقال هو العملية الاساسية التي لا يمكن ان يأتي التدريب إلا بعدها. فغياب التعليم سينتج عنه تدريب ضعيف ولا يعطي النتائج المطلوبة، وغياب التدريب سيعطي خريجين بلا مهارات يطلبها سوق العمل، ولهذا يكون التكامل بين التعليم والتدريب هو الحل والخيار الامثل لتخريج جيل قادر على افادة اي جهة تقوم بتوظيفه.