قبل سنوات عديدة كنت متابعاً وبشكل دائم لعامود في صحيفة الوطن السعودية للكاتب السوداني الساخر ”جعفر عباس“ او كما كان يحب ان يطلق على نفسه ”أبو الجعافر“. من دلني على عامود أبو الجعافر هو والدي رحمه الله، حيث كان شديد الاهتمام بمتابعة الصحافة بشكل يومي وكان لديه شغف كبير بالقراءة بشكل عام، سواءً للكتب او الصحف. في حياته رحمه الله (خاصةً بعد تقاعده) اعتدنا ان يحضر معه للبيت صحيفتين (المدينة والوطن) من سوبرماركت الحي بعد كل صلاة ظهر وبشكل يومي، حاملاً في احدى يديه الصحيفتين، وفي اليد الأخرى كيساً بداخله خبز ولبن كانت تكلفه الوالدة بإحضار هذا الكيس يومياً. تَعَلُّق أبي رحمه الله بالصحافة كان يصل لدرجة انه كان يتفق مع البائع بالسوبر ماركت بأن يحجز له الصحيفتين حال وصولها في الصباح الباكر حتى لا تنفذ عنه الكمية عندما يأتي للسوبرماركت بعد صلاة الظهر.

ابو الجعافر كان كاتباً ساخراً بإمتياز، ومن النادر جداً ان تكمل قراءة مقاله بدون ان تبتسم او حتى تضحك احياناً بصوت مسموع. لا أنسى شكل والدي رحمه الله عندما كان يقرأ مقالات ابو الجعافر ويصل به الحال احياناً ان تدمع عيناه من شدة الضحك على بعض المواقف التي يذكرها ابو الجعافر او الاسلوب الذي كان يكتب به. في ذلك الوقت، اذكر انه لا يحضر اسم جعفر عباس إلا وأول ما يتبادر لذهن المستمع الاسلوب الساخر والفُكَاهي في الكتابة. عموماً، توقفت قراءتي لما يكتب جعفر عباس منذ عام 2008 بسبب الانشغال بالدراسة بالخارج وظروف العمل.

من مثالنا السابق (اسلوب ابو الجعافر الساخر) يتبين لنا ان لكل كاتب محتوى اسلوب وطريقة في الكتابة تميزه عن الكاتب الآخر. في بعض الاحيان، بمجرد قراءتك او اطلاعك على محتوى معين، يتبادر لذهنك شخصية ما لها نفس الاسلوب والنمط في الكتابة، وهذا ما سوف نتحدث عنه في هذا المقال، حيث سنشير في هذا المقال لأهمية وجودة صوت ونبرة لمحتواك او المحتوى الذي تكتبه للجهة التي تعمل لها.

العديد من المراجع الاجنبية عند الحديث عن الاسلوب في كتابة المحتوى تستخدم كلمة صوت (Voice) وكلمة نبرة (Tone) وذلك لتوضيح أن كاتب المحتوى لا بد ان يكون له صوت ونبرة محددتان تميزانه وتميزان محتواه سواءً أكان يكتب لنفسه أم للجهة التي يعمل لصالحها.

استخدامك لصوت (Voice) ثابت ونبرة (Tone) معينة عند كتابتك للمحتوى أمر هام، لأنه يعطي هوية لمحتواك يستطيع الناس تمييزها مع الوقت، وكذلك يجعلهم يعرفون أسلوبك وطريقتك في الكتابة من خلال المحتوى الذي تقوم بإنتاجه، وهذا مع مرور الزمن يبني الثقة والمصداقية بينك وبينهم. ولكن قبل أن نتعمق في موضوع الصوت والنبرة الخاصة بالمحتوى، لنتعرف اولاً على الفرق بين الصوت والنبرة في كتابة المحتوى!

في عالم كتابة المحتوى، دائماً مايرتبط الصوت (Voice) بالشخصية (Personality)، والنبرة (Tone) بالحالة المزاجية (Mood or Emotions). هل هذا الفرق عام جداً وغير واضح؟! إذاً أكمل قراءة المقال، وسيتضح لك أكثر ماهو الفرق بينهما بشكل أكثر عُمقاً ووضوحاً.

الصوت (Voice): الشخصية (Personality) 
يذكر المختصون في كتابة المحتوى بأن الصوت الذي يصل للقارئ من خلال الكلمات والجمل التي تقوم بكتابتها لا بد ان يعكس شخصيتك او شخصية العلامة التجارية التي تكتب لها وتمثلها في المحتوى. في الحقيقة، لا يمكن فصل شخصيتك عن صوت أحرفك وكلماتك في الكتابة. ولتدرك حقيقة ان للكلمات صوت واضح، سأعطيك مثال معاصر في وقتنا الحاضر، كل ماعليك هو الدخول على اي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي وقراءة التعليقات وتصفح ردود المتابعين على أي منشور معين (سواءً أكان هذا المنشور تغريدة ام صورة ام فيديو ام خبر ام مقال) لتقف بنفسك على اسلوب اصحاب تلك الردود والتعليقات وتتعرف على شخصياتهم. فأنت حتماً لم تقابل اصحاب تلك الردود والتعليقات، ولكنك عرفت عنهم معلومات كافية تصف شخصياتهم وأسلوبهم وربما نمط حياتهم، وكلما قرأءت أكثر للشخص او الجهة، كلما تعرفت على شخصياتهم واسلوبهم بشكل أعمق وأوضح. إذاً الكلمات تحمل بين ثناياها ارواح البشر، وشخصيتك لابد ان تطغى على كتابتك وما تخطه بيدك حتى لو حاولت ان تخفي ذلك داخل بعض الجمل والعبارات بين اسطر المحتوى الذي تكتبه.

هذا الكلام لا يقتصر فقط على الكتابة الخاصة بك، وانما كذلك على المحتوى الذي تنتجه للشركة او الجهة التي تعمل لها. اغلب الشركات التي تقوم بإنتاج محتوى جيد، لديها صوت (Voice) واضح يعرفه المتابع لمحتوى هذه الشركة او الجهة. شركات كبرى مثل قوقل (Google) و أبل (Apple) و أديداس (adidas) وغيرها العديد من الشركات والجهات في مختلف دول العالم لديها صوت (Voice) محدد يميز المحتوى الذي تقوم بإنتاجه.

وهذا يقودنا لما يسمى باللغة الانجليزية (Brand voice) وهو مايعني باللغة العربية صوت العلامة التجارية. كل شخص او جهة تنتج محتوى لابد ان يهتم بصوت علامته التجارية، فإن كنت كاتباً مستقلاً ، فأنت بنفسك عبارة عن علامة تجارية تمثل نفسك، ولابد أن يكون لك صوت خاص يميزك (مثل أبو الجعافر والذي اصبح يعرف بأسلوبه الساخر)، اما ان كنت تكتب لجهة معينة، فهذه الجهة لها صوت علامة تجارية يميزها ويعرفها به الناس. وعليك بالالتزام بهذا الصوت بشكل دائم وعدم تغييره إلا نادراً وفي حالات معينة فقط.

بعض الشركات والجهات الاحترافية تعتبر الالتزام بصوت العلامة التجارية أمر جاد جداً حتى انهم يضعون سياسة وقوانين صارمة تضبط هذا الأمر، وكل من يكتب المحتوى في تلك الشركة او الجهة عليه الالتزام بذلك الصوت. بعض تلك القوانين قد تمنعك من استخدام عبارات معينة او من اتباع اسلوب معين في كتابة المحتوى وذلك خوفاً على علامتهم التجارية التي كلفتهم سنوات طويلة لبناءها ونشرها بين المتابعين.

يذكر خبراء كتابة المحتوى بأن صوت العلامة التجارية لا يمكن تغييره بشكل مستمر، فهو عادةً مايكون ثابتاً لفترات طويلة و يتغير فقط عند تغير استراتيجية الجهة صاحبة المحتوى، فبعض الجهات قد تتبع صوت علامة تجارية معين لعدة سنوات، ولكن قد يطرأ على استراتيجيتها تغييرات جذرية بدخول خدمات جديدة او تحول في طبيعة عمل تلك الجهة، تجعل من تغيير صوت العلامة التجارية أمراً ضرورياً. وكما ذكرنا سابقاً، بأن الصوت يمثل شخصية الكاتب او الجهة المنتجة للمحتوى، فهل سبق أن وجدت انساناً يستطيع تغيير شخصيته بسهولة؟ بالطبع لا، فالإنسان عادةً ما يستمر ويبقى على شخصية واحدة، وان تغيرت شخصيته فهذا نادر الحدوث وقد يعود لأسباب قاهرة او تغيير جذري طرأ في حياة هذا الشخص.

ولكن لماذا لا يفضل تغيير صوت العلامة التجارية (Brand Voice)؟

تجيب آن هاندلي – Ann Handley في كتابها ”الجميع يكتب – Everybody Writes“ عن أهمية عدم تغيير صوت العلامة التجارية والثبات على صوت واحد اغلب الاحيان وذلك لكسب ثقة المتابعين والقراء وعدم التسبب لهم بإرباك وعدم فهم لرسائلك التي تحاول ايصالها لهم عن طريق المحتوى الذي تقوم بإنتاجه. لذلك توصي السيدة هاندلي بعدم تغيير صوت العلامة التجارية دائماً إلا ان كانت هنالك ضرورة وحاجة لذلك.

على سبيل المثال ولتوضيح اهمية صوت العلامة التجارية لدى الشركات، سنأخذ تطبيق سلاك (Slack) كنموذج. وهو تطبيق يستخدم للتواصل، مشابه لتطبيق الواتس أب، ولكن يستخدم غالباً في بيئات العمل الاحترافية، حيث تحرص فرق العمل على تكوين مجموعات في تطبيق سلاك (Slack) للتواصل فيما بينها بهدف إنجاز المشاريع. في موقع التطبيق الرسمي وبصفحة مستقلة، يضع تطبيق سلاك (Slack) سياستهم فيما يتعلق بصوت العلامة التجارية الخاصة بهم.

وتحدد شركة سلاك (Slack) صوت علامتهم التجارية بثلاث كلمات رئيسية هي:

  1. واضح (Clear): 
    وهذا يعني ان جميع الكلمات والجمل المستخدمة لا بد ان تكون واضحة للقارئ والمتابع، بدون التسبب له بأي لبس في الفهم او صعوبة في استيعاب بعض الكلمات.
  2. مختصر (Concise):
    ايضاً يسعى تطبيق سلاك (Slack) بأن يكون مختصراً برسائله وان لا يستطرد كثيراً في المتحوى الذي يتم نشره للمتابعين.
  3. إنساني (Human):
    وأخيراً، المحتوى الذي ينتجه تطبيق سلاك (Slack) من احدى مميزاته انه يلامس مشاعر المتابعين بلطافته واسلوبه الحواري الذي يكون عادةً محبب للمتابعين.

مثل هذه السياسة في انتاج المحتوى تضعها الشركة لأي كاتب محتوى لديها، وتجبر الجميع على التقيد والالتزام بها، كون صوت العلامة التجارية امر هام جداً للشركات وهو مايمزهم لدى عملائهم ومتابعيهم على مختلف قنوات التواصل.

لذلك، ان كنت الشخص المسؤول عن محتوى الجهة او الشركة التي تعمل لها، لابد من وضع صوت علامة تجارية (Brand Voice) يميز رسائل الشركة او الجهة التي تعمل لها عند نشرها للمتابعين والجمهور. ولتضع السياسة الخاصة بصوت علامتك التجارية بشكل صحيح، لابد لك من مراعاة النقاط التالية:

  1. من هم جمهورك المستهدف وماهي صفاتهم؟
  2. ماهي الرؤيا والرسالة والقيم الخاصة بشركتك او الجهة التي تعمل لها؟
  3. ماهي نقاط الألم او المشاكل التي يعاني منها الجهمور الذي تحاول استهدافه بمنتجاتك ورسائلك؟
  4. ماهو شكل علامتك التجارية وماهي الألوان المستخدمة فيه؟

من المهم الاجابة على هذه الاسئلة بكل شفايفة وعناية وذلك لتحديد صوت علامتك التجارية (Brand Voice) بشكل جيد ومناسب، وتحديد ماهو افضل نهج ممكن ان تتبعه في كتابة وانتاج محتواك الذي تريد نشره ومشاركته مع جمهورك.

بعد الحديث عن صوت العلامة التجارية (Brand Voice)، ننتقل للحديث عن موضوع لا يقل أهمية عنه ألا وهو النبرة او ما يسمى باللغة الانجليزية (Tone of Voice).

النبرة: الحالة المزاجية (Mood/Emotions)
على عكس الصوت، الذي يظل ثابتًا (وهذا ما أكدنا عليه في الأسطر السابقة)، يمكن أن تتغير النبرة (Tone) بناءً على الوضع او الحالة التي يصفها او يتعامل معها كاتب المحتوى. والنبرة هي الحالة المزاجية والعاطفية لعلامتك التجارية، والتي يتم التعبير عنها من خلال كلماتك ورسائلك. إنها الطريقة التي تكيف بها صوت علامتك التجارية (Brand Voice) مع المواقف والظروف والجماهير المختلفة التي تستهدفها. لذلك، من يكتب المحتوى عليه ان يفهم بشكل جيد وذكي الظروف التي يمر بها الجمهور المستهدف.

على سبيل المثال، إذا كانت شخصية علامتك التجارية (Brand Voice) هي شخصية مرحة (Playful) بحيث ان كل ماتنشره من محتوى على وسائل التواصل المختلفة هو محتوى يتسم بالمرح، ولكن كان هنالك جو من الحزن يمر به جمهورك المستهدف بسبب ظرفٍ ما، لابد ان تتغير النبرة (Tone) التي تكتب بها، وتكتب بنبرة تناسب ذلك الظرف الحزين. عدم فهمك لواقع الظروف التي يمر بها جمهورك وعدم تكيفك مع مختلف المناسبات وإلتزامك بنبرة واحدة فقط في كل منشوراتك وبشكل دائم سيؤدي لفقد الثقة والمصداقية بينك وبين جمهورك، وبالتالي ستنعدم عندهم رغبة التفاعل مع محتواك ومنشوراتك.

ولكن قد يتساؤل البعض ويقول، كيف ألتزم بصوت علامة تجارية (Brand Voice) ثابت ولكن أقوم بتغيير النبرة (Tone) في بعض الاحيان؟ ألن يسبب ذلك أيضاً لبس في الفهم عندي جمهوري المستهدف؟!

الجواب بإختصار لا. ولأوضح لك الاجابة بشكل افضل لنأخذ المثال التالي:

لنفرض انك تعمل مع زميل في شركتكم، وهذا الزميل معروف لدى جميع من يعمل معه بأنه صاحب شخصية جادة (Serious Personality) في التعامل. هذا الزميل يعتبر انك أقرب شخص له في العمل، ودائماً مايتحدث معك بكل أريحية وبساطة. هل تتوقع أن النبرة (Tone) التي يستخدمها معك في الحديث بشكل يومي، ستكون هي نفس النبرة التي سيتخدمها أن ذهب وتحدث مع الرئيس التفيذي للشركة؟! بالطبع لا، ستختلف النبرة تماماً وذلك لأن الوضع تغير تماماً، سيكون زميلك حينها اكثر حذراً وحرصاً في الحديث واختيار الكلمات التي سيستخدمها مع الرئيس التنفيذي، حتى ان لغة جسده ستختلف تماماً عن تلك التي يستخدمها عند حديثه معك. السؤال الآن، أليست شخصية زميلك هذا هي شخصية جادة؟ والجميع يعرف ذلك؟ بلى! ولكن النبرة التي سيتخدمها مع الرئيس التنفيذي ستختلف عن تلك التي يستخدمها مع زملاءه المقربين او بقية زملاء العمل، وذلك بسبب أن الحالة والوضع الذي هو فيه الآن (المستوى الوظيفي للشخص الذي يتحدث معه) اجبره على تغيير النبرة.

وبشكل عام، يجب أن تكون نبرة علامتك التجارية مرنة وفيها استجابة لإحتياجات وتوقعات جمهورك، وأن تنقل الموقف والمشاعر المناسبة. ومن اشهر الامثلة على النبرات الخاصة بصوت العلامات التجارية هي : النبرة الرسمية أو غير الرسمية أو المتعاطفة أو المتحمسة أو الجادة.

ختاماً، كما تهتم وتحرص على شكل مظهرك او مظهر العلامة التجارية للشركة التي تعمل لها او الشكل الجمالي وألوان العلامة التجارية، لابد ان تحرص كذلك وبنفس الأهمية على صوت ونبرة علامتك التجارية لأن لها تأثير كبير على طريقة تفاعل الناس معك ومع محتواك، وان كنت لم تأسس لذلك، فبادر اليوم وبدون أي تأخير بوضع السياسات الخاصة بصوت ونبرة العلامة التجارية، والتي ستضمن لك رسائل ومحتوى أكثر تأثيراً في جمهورك.

أترك تعليق